والمتعة في الدنيا على قدر حظ الإنسان في المتع، فهي على قدر إمكاناته. فإذا نظرنا إلى الدنيا بهذا المعيار فإن متاعها يعتبر قليلاً، ولهذا لا يصح ولا يستقيم أن يغتر الإنسان بهذه المتعة متذكراً قول الله:{كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى}[العلق: ٦ - ٧]
فالغرور إذن أن تلهيك متعة قصيرة الأجل عن متعة عالية لا أمد لانتهائها، فحتى لا يغتر عائش في الدنيا فيلهو بقليلها عن كثير عند الله في الآخرة يجب أن يقارن متعة أجلها محدود وإن طال زمانها بمتعة لا أمد لانتهائها، متعة على قدر إمكاناتك ومتعة على قدر سعة فضل الله؛ لذلك كانت الحياة الدنيا متاع غرور ممن غُرّ بالتافه القليل عن العظيم الجليل.
والله لم يظلم الدنيا فوصفها أنها متاع، ولكن نبهنا إلى أنها ليست المتاع الذي يُغتَرّ به فيلهي عن متاع أبقى، إنه الخلود. وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله ولأتباع رسوله قضية تُنشئ فيهم وتؤكد لهم أن الإيمان وحده خير جزاء للمؤمن، وإن لم يتأت له في الدنيا شيء من النعيم، ولذلك أراد أن يوطنهم على أن الذين يدخلون الإيمان، لا يوطِّنون أنفسهم على أن الايمان دائماً منتصر، فلو كان دائماً منتصراً لوطّن كل واحد نفسه عليه ورضيه لأنه يضمن له حياة مطمئنة؛ لذلك كان لا بد أن يوضح لهم: أن هناك ابتلاءات. فالقضية الإيمانية أن تبتلوا، وموقع البلاء في نفوسكم أو في أموالكم، فقال:{لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً ... }