للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحشرات عشقت مصرعها، إنها قد جاءت إلى النور ولكن النار أحرقتها، كذلك الإنسان العاصي يعشق مصرعه؛ لأنه لا يعرف أن هذه الشهوة ستدخله النار.

{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار} أي أن النار لها جاذبية مثل جاذبية المعصية عندما تأخذ الإنسان، ومجرد الزحزحة عن النار، حتى وإن وقف بينهما لا في النار ولا في الجنة فهذا حسن، فما بالك إنْ زُحزح عن النار وأُدخل الجنة؟ لقد زال منه عطب وأعطى صالحاً.

وهذه حاجة حسنة، وهذا هو السبب في أن النار مضروب على متنها الصراط الذي سنمر عليه، لماذا؟ حتى يرى المؤمن النار. . وهو ماشٍ على الصراط التي لو لم يكن مؤمناً لنزل فيها، فيقول: الحمد لله الذي نجاني من تلك النار.

{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} والفوز هو النجاة مما تكره، ولقاء ما تحب، مجرد النجاة مما تكره نعمة، وأن تذهب بعد النجاة مما تكره إلى نعمة، فهذا فوز. ونلحظ في {زُحْزِحَ} أن أحداً غيره قد زحزحه. نعم لأنّ الله تكرّم عليه أولاً في حياته بفيض الإيمان وهو الذي زحزحه عن النار أيضا.

ويذيل الحق الآية بقوله تعالى: {وَما الحياة الدنيا إِلاَّ مَتَاعُ الغرور} .

وعندما يصف الحق سبحانه الحياة التي نعرفها بأنها «دنيا» ففي ذلك ما يشير إلى أن هناك حياة توصف بأنها «غير دنيا» وغير الدنيا هي «العليا» ، ولذلك يقول الحق في آية أخرى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤]

أي هي الحياة التي تستحق أن تُسمّى حياة؛ لأن الدنيا لا يقاس زمانها ببدايتها إلى قيام الساعة، لأن تلك الحياة بالنسبة للكون كله، ولكن لكل فرد في الحياة دنيا ليس عمرها كذلك، وإنما دنيا كل فرد هي مقدار حياته فيها. ومقدار حياته فيها لا يُعلم أهو لحظة أم يومٍ أم شهر أم قرن. وقصارى الأمر أنها محدودة حداً خاصا لكل عمر، وحداً عاماً لكل الأعمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>