ولا ترتش؛ لأن كل هذه الأمور هي أكل أموال بالباطل. وعندما ندقق في مسألة لعب الميسر نجد أمراً عجيباً؛ فالذين يلعبون الميسر يدعون أنهم أصدقاء، وينتظر بعضهم بعضاً ويأكلون معاً، وكل واحد منهم يجلس أمام الآخر وهو حريص أن يأخذ ما في جيبه، فأي صداقة هذه؟
إذن فساعة يقول الحق:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} ، وساعة يأمرك الحق: إياك أن يصعب عليك التكليف؛ لأنه شاق عليك، ولكن قدر ما يأخذه منك التكليف من تضييق حركة تصرفك، وما يعطيك التكليف من تضييق حركة الآخرين، الحق قال لك: لا تأخذ مال غيرك لكي لا يأخذ غيرك مالك، وبذلك تكسب أنت ويكسب كل المجتمع، فحين يصدر أمر لإنسان أن يكف يده عن السرقة فهو أمر للناس جميعاً كي يكفوا عن سرقة هذا الإنسان؛ لذلك فحين تستقبل أي حكم عن الله لا تنظر إلى ما أخذه الحكم من حريتك، ولكن انظر إلى ما أعطاه الحكم لصالحك من حرية الآخرين.
ومثال ذلك: حين يوضح الحق وينهي عن النظر إلى المرأة الأجنبية فإياك أن تمد عينك إلى محارم غيرك، هو أمر لا يخصك وحدك، ولكنه أمر لملايين الناس ألا يمدوا عيونهم إلى محارمك، وعندما توازن الأمر فأنت الذي تكون أكثر كسباً.
إنني لذلك أقول دائماً: لا تنظر إلى ما في التكليف من مشقة أو إلى ما أخذ منك، ولكن انظر فيه إلى ما يعطي لك؛ فإن نظرت هذه النظرة وجدت كل تكليف من الحق هو ربح لك أنت. وإلا لو أننا أطلقنا يدك في الناس جميعاً لا بد أن تقدر أننا نطلق أيدي الناس جميعاص فيك. وأنت إذا أطلقت يدك في الناس فلن تؤثر فيهم مثلما يؤثرون فيك لو أطلقوا أيديهم فيك فيما يخصك، فمن مصلحتك ألا تطلق يدك في الناس.
{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} وكلمة {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} أي إلاّ في النفعية المتبادلة تبادل الأعواض، فشيء عوض شيء. وجاءت التجارة؛ لأن التجارة هي