للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} [لقمان: ١٥] .

لكن هذا لا يمنع أن تعطيهما المعروف وما يحتاجان إليه، ونلحظ أن الحق لم يأت لهما بطلب الرحمة وهما على الشرك والكفر كما طلبها لهما في قوله: {وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: ٢٤] .

لأنهما وإن ربي جسد الولد فلم يربيا قلبه وإيمانه، فلا يستحقان أن يقول: ارحمهما؛ لأن الحق أراد أن يسع الولد والديه في الدنيا وإن كانا على الكفر.

والحق سبحانه وتعالى حينما يريد أن يشيع الإحسان في الكون كله، يبتدئ بالأقرب فالقريب فالجار، فقال: {وبالوالدين إِحْسَاناً وَبِذِي القربى} . إذن ففيه دوائر. ولو أن كل واحد أحسن إلى أبوية. فلن نَجد واحداً في شيوخته مهيناً أبداً، لذلك يوسع سبحانه دوائر الهمّة الإيمانية فجاء بالوالدين ثم قال بعدها: {وَبِذِي القربى} أي صاحب القربى، وما القربى؟ إن كل من له علاقة نَسَبيَّة بالإنسان يكون قريباً. هذه هي الدائرة الثانية، ولو أن كل إنسان موسعاً عليه وقادراً أخذ دائرة الوالدين ثم أخذ دائرة القربى فستتداخل ألوان البر من أقرباء متعددين على القريب الواحد، وما دامت الدوائر ستتداخل، فالواحد القريب سيجد له كثيرين يقومون على شأنه فلا يكون أحد محتاجا.

وبعد ذلك يتكلم سبحانه عن اليتامى، واليتيم - كما نعلم - هو: من فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال، إنه يحتاج إلى حنان أولي. ولكن بعد أن يبلغ مبلغ الرجال فهو لا يُعتبر يتيماً؛ فقد أصبح له ذاتية مستقلة؛ ولذلك يتخلى عنه الوصف باليتيم، والذي تموت أمه لا نسميه «يتيماً» ، لكن اليتيم في الحيوانات ليس من فقد أباه بل من فقد أمه، وإن كانت طفولة الحيوانات تنتهي بسرعة؛ لأن والدة الحيوان هي التي ترعاه في طفولته القصيرة نسبياً.

إذن فيتم الحيوان من جهة الأم، والإنسان يتمه هو فَقْد الأب؛ لأن الإنسان أطول الحيوانات طفولة لأنه مُربيَّ لمهمة أسمى من الحيوانية، وعرفنا من قبل أنك عندما تأتي لتزرع - مثلاً - فِجلاً. . فبعد خمسة عشر يوماً تأكل منه، لكنك حينما تزرع نخلة أو تزرع شجرة «مانجو» تمكث كذا سنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>