فأمر أمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يقلقه جداً على الرغم من أن الحق سبحانه قد أوضح له: أنت عليك البلاغ وليس عليك أن تهدي بالفعل، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعرف هذا. إنما حرصه ورحمته بأمته جعله يحب أن يؤمنوا، وعَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ خاف على أمته من موقف يشهد فيه عليهم ضمن من سيشهد عليهم يوم الحشر. فلما رأى الحق سبحانه وتعالى أن رسوله مشغول بأمر أمته قال له: لو شئت جعلت أمر أمتك إليك.
وانظر إلى العظمة المحمدية والفهم عن الله، والفطنة، فقال له: لا يا رب. أنت أرحم بهم مني.
وكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول للخالق:«أتنقل مسألتهم في يدي وأنا أخوهم، إنما أنت ربي وربهم، فهل أكون أنا أرحم بهم منك؟ لقد كان من المتصور أن يقول رسول الله: نعم أعطني أمر أمتي لكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: يا رب أنت أرحم بهم مني. فكيف يكون ردّ الرب عليه؟ . قال سبحانه: فلا أخزيك فيهم أبداً، وسبحانه يعلم رحمة سيد البشر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأمته» .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تلا قول الله عَزَّ وَجَلَّ في إبراهيم:«رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني. .» وقول عيسى عليه السلام: «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فسأله فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما قال وهو أعلم، فقال الله:» يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك «.
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا} أي كيف يكون حال هؤلاء العصاة المكذبين. . {إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} أنه أدّى وبلغ عن الله مراده من خلقه. {وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً} ؟