بقوله:«ألم تر» . والرؤية عمل العين - وعمل العين متعلق بانكشاف الأحداث التي تتعرض لها العين - والشيء المرئي دليله معه؛ لأن الشيء المسموع دليله يؤخذ من صدق قائله، وصدق قائله أمر مظنون، أيكذب أم يصدق؟ أما المرئي فدليله معه؛ ولذلك قالوا: ليس مع العين أين، أي أنك إذا رأيت شيئاً فلا تقل: أين هو، وليس الخبر كالعيان، فالخبر الذي تسمعه ليس كالمشاهدة، إذن فالمشاهدة دليلها معها، فلا يقال: دلل على أن فلاناً يلبس جلباباً أبيض وأنت تراه.
إذن فحين يريد الحق أن يؤكد قضية يقول: أرأيت. ولذلك فأنت إذا حدثت إنساناً عن انحراف إنسان آخر. قد يصدقك وقد لا يصدقك، لكن إذا ما رأيت الإنسان يلعب ميسراً أو يشرب خمراً ثم تقول لمن حدثته من قبل: أرأيت من قلت لك عليه، كأن الرؤية دليل. والحق سبحانه وتعالى حين يخاطب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله:«أرأيت» ننظر إلى الأمر، فإذا كان مشهوداً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله:«أرأيت» ننظر إلى الأمر، فإذا كان مشهوداً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو يراه بذلك تكون «أرأيت» على حقيقتها، كما يقول له:{أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى}[العلق: ٩ - ١٠] .
هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد رآه، فتكون «أرأيت» على حقيقتها أم ليست على حقيقتها؟ ولماذا يأتي بهمزة الاستفام «أرأيت» ؛ على الرغم من أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد رأى من ينهى إنساناً عن الصلاة ولماذا لم يقل:«رأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى» ، لا؛ لأن الحق يريد أن يؤكد الخبر بمراحل. فمرة يكون الخبر خبراً تسمعه الأذن، ومرة يكون رؤية تراه، ومرة لا يقول له: أنت رأيت، ولكن يستفهم منه ب «أرأيت» لكي ينتظر منه الجواب. وبذلك يأتي الجواب من المخاطب نفسه وليس من المتكلم، وهذه آكد أنواع البيان وآكد ألوان التحقيق، فحين يخاطب الحق سبحانه وتعالى بقوله:«أرأيت» نقول: أكان ذلك مشهداً لرسول الله رآه، فتكون الرؤية على حقيقتها. فإذا كان الأمر لم يكن معاصراً لرسول الله ثم يخاطب الله رسوله بقوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل}[الفيل: ١] .
ونعلم أن أصحاب الفيل كانوا عام ميلاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فهو حين