للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخاطب رسوله لم يكن المشهد أمامه «ف {ألم تر} هنا بمعنى أعلمت.

ولماذا عدل هنا عن أعلمت إلى قوله: «ألم تر» ؟ . لأن الحق سبحانه وتعالى حين يخاطب رسوله بأمر منه فهو يوضح له: إن أخبرتك بشيء فاعلم أني أصدق من عينك، فإذا قال سبحانه: «ألم تر» فهذا يعني أنك علمت من الحق سبحانه وتعالى، وإخبار الحق ليس كإخبار الخلق؛ لأن إخبار الخلق يحتمل الصدق والكذب، لكن إخبار الحق لا يعني إلا الصدق، إذن فرؤية عينك قد تخونك؛ لأنك قد تكون غافلاً فلا ترى كل الحقيقة، لكن إذا أخبرك الحق سبحانه وتعالى فسيخبرك بكل زوايا الحقيقة. إذن فإخبار الحق أوثق وآكد من رؤية العين وسبحانه عندما قال: {أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى} [العلق: ٩ - ١٠] .

هذه مثلت الأولى، وحين قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: ١] .

كأنك تراهم الآن، ف «ألم تر» تعني كأن المشهد أمامك.

إذن فوسائل تأكيد الأشياء: خبر من خلق يحتمل الصدق ويحتمل الكذب. هذه واحدة، ورؤية من خلق تحتمل أنها استوعبت كل المرئي أو أحاطت ببعضه، أو خبر من خالق أحاط بكل شيء، فيجب أن يكون الخبر من الخالق أوثق الأخبار في تصديقهم.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} جاءت هذه الآية ورسول الله يعاصره قوم من اليهود. ورأى منهم بالفعل أنهم أوتوا نصيباً من الكتاب؛ لأنهم أهل الكتاب، ومع ذلك يشترون الضلالة؛ ولا يقولون الحق، فيكون هذا أمرا مشهديا بالنسبة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وحينما أرسل الله محمداً جعله ختاماً للأنبياء وختم به ركب النبوة، وهذا يعني: أن النبوة كان لها ركب. وفي كل عصر من العصور يأتي نبي على مقدار اتساع الحياة، وعلى مقدار التقاء الكائنين في الحياة، وعلى مقدار الداءات والأمراض التي تأتي في المجتمع، ولكن الله علم أزلاً أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيأتي في فترة ورسالته ومنهجه ينتظم ويضم كل قضايا الزمن إلى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>