إذن فرسول الله مشهود له من كل الرسل؛ ولذلك أكد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ديانات كل الرسل. وجاء دينه بديانات كل الرسل؛ لأنهم معه على منهجه الذي نزل به، والذين يلتحمون بالإيمان بالسماء بواسطة الرسل السابقين؛ إذا ما جاءهم خبر رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد يجعلهم تعصبهم لدينهم ينصرفون عنه، فأعطاهم الحق الخميرة الإيمانية وأوضح لهم: سيأتي رسول خاتم فتنبهوا يا كل الأقوام إذا ما جاء الرسول الخاتم فلا بد أن تؤمنوا به. وكان عندهم في كتبهم الدلالات والإخبارات. إذن فالله أعطاهم نصيباً من الكتاب. وانظروا إلى دقة الأداء القرآني:{أَلَمْ تَرَ} يا محمد {إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} جاء هذا القول وهو يحمل لهم عذرهم إن فاتهم شيء من الكتاب؛ لأنه سيقول في آية أخرى. {ْوَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ}[المائدة: ١٣] .
وما داموا قد نسوا فهم معذورون، لكن من عندهم كفاية في العلم من الذين {أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} ، كان المفروض فيهم أن تكون آذانهم مستشرفة إلى صوت داعية الحق الخاتم، وهذا كان معروفا لهم من قبل؛ لذلك يقول لنا ربنا:{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ}[البقرة: ٨٩] .
فهم كانوا يقولون لعبدة الأوثان من العرب: نحن في انتظار النبي الخاتم الذي سيرسله الله لنسبقكم إلى الإيمان به، فإذا ما سبقناكم إلى الإيمان به وظللتم على كفركم، سنقتلكم به قتل عاد وإرم. إذن فهم معتصمون بالإيمان بالسماء، فقل لي: إذا قالوا هذا القول، وهم معروفون أنهم أهل كتاب فلماذا كفروا بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ إن كفار قريش لم يقولوا: إننا أهل كتاب، بل كانوا على فترة من الرسل، فكان المفروض أنه إذا جاء الرسول تسابق أهل الكتاب إلى الإيمان به لأنه سبق لهم أن توعدوا به العرب. لقد أعطاهم الله منزلة عالية لكنهم من لؤمهم لم ينتفعوا بها؛ فيقول الحق:{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب}[الرعد: ٤٣] .