{واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ} لم يقولوا: «راعنا» من الرعاية بل من الرعونة، فقال: لا. اتركوا هذا اللفظ؛ لأنهم سيأخذون منه كلمة يريدون منها الإساءة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - و «اللي» : هو فتل الشيء، والفتل: توجيه شقي الحبل الذي تفتله عن الاستقامة، وهذا الفتل يعطيه القوة، وهم يعملون هذه العمليات لماذا؟ لأنهم يفهمون أنها تعطي قوة لهم.
{لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدين} ، وما داموا يلوون الكلام عن الاستقامة فهم يريدون شرّاً، لأن الدين جاء استقامة، فساعة يلويه أحد فماذا يرد؟ . . إنه يريد {وَطَعْناً فِي الدين} ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا} ، وبدلاً من إضمار المعصية يقولون:{وَأَطَعْنَا واسمع وانظرنا} بدلاً من «راعنا» ، ف «انظرنا» لا تحتمل معنى سيئاً.
إذن فمعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبر أحباب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن خصومه يأتون بالألفاظ محتملة لذم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ لذلك يوضح: احذروا أن تقولوا الألفاظ التي يقولونها؛ لأنهم يريدون فيها جانب الشر وعليكم أن تبتعدوا عن الألفاظ التي يمكن أن تحول إلى شرّ. فلو قالوا سمعنا وأطعنا {واسمع وانظرنا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن} ، وساعة تسمع كلمة «لكن» فلتعلم أن الأمر جاء على خلاف ما يريده المشرع؛ لأنه يقول:{وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ} ، لكنهم لم يقولوا، إذن فالأمر جاء على خلاف مراد المشرع.
{وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ} و «اللعن» هو: الطرد والإبعاد، فهل تجنىَّ الله عليهم في لعنهم وطردهم؟ لا. هو لم يلعنهم إلا بسبب كفرهم، إذن فلا يقولن أحد: لماذا لعنهم الله وطردهم وما ذنبهم؟ نقول: لا. هو سبحانه لعنهم بسبب كفرهم، إذن فالذي سبق هو كفرهم، وجاء اللعن والطرد نتيجة للكفر.
{وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} . وساعة تسمع نفي حدث «لا يؤمنون» ثم يأتي استثناء «إلا» ، فهو يثبت بعض الحدث، تقول مثلاً لا يأكل إلا قليلاً، كلمة «لا يأكل» نفت الأكل، «وإلا قليلاً» أثبتت بعض الأكل، فهو سبحانه يقول:{فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} . والإيمان حدث يقتضي محدثاً