رحبة، فالذين ينتحرون إنما يفعلون ذلك لأن الأسباب ضاقت عليهم، وعلموا أنه لا مناص من أنهم في عذاب. لكن المؤمن يقول: يا رب، ومجرد أنه يقول: يا رب، فهذا قول يريحه حتى قبل أن يجاب؛ لأنه التفت إلى مسبب الأسباب حين عزّت عليه الأسباب.
وساعة يلتفت إلى مسبب الأسباب عند امتناع الأسباب فهو يأخذ قوة الإيمان من حيث لا يحتسب، إنك بمجرد أنك قلت: يا رب تجد نفسك قد ارتاحت؛ لأنك وصلت كل كيانك بالخالق، وكيانك منه ما هو مقهور لك، ومنه ما هو غير مقهور لك. والكيان نفسه سيأتي في الآخرة ويشهد على الإنسان.
ستشهد الأرجل والجلود وغيرها من الأبعاض. لأنها في الدنيا كانت مقهورة لإرادتي، أنا أقول ليدي: افعلي كذا، ولرجلي: اسعي لكذا، وللساني: سب فلاناً، فالله سخر الجوارح وأمرها: يا جوارح أنت خاضعة لإرادة صاحبك في الدنيا. لكن في يوم القيامة أيكون لي إرادة على جوارحي؟ لا، ستتمرد عليّ جوارحي:{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}[فصلت: ٢١] .
وتقول الجوارح لنا: أنتم استخدمتمونا في الدنيا وحملتمونا أن نفعل أشياء نحن نكرهها، فدعونا اليوم لنشهد، إنها تخرج أسرارها؛ لأن الملك الآن للواحد القهار:{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}[غافر: ١٦] .
انتهت سيطرة الإنسان وليس لأحد غير الله إرادة على الأبعاض.
إذن فالنصيب من الكتاب هو أول شيء يربط المخلوق بالخالق، فإذا ارتبط