المخلوق بالخالق قويت أسبابه، ويستقبل الأحداث بثبات، ويأتيه فرج ربنا، وعندما نقرأ القرآن يجب أن نلتفت إلى اللقطات العقدية فيه، فقد عرفنا مثلاً: أن سيدنا موسى عندما أراد أن يأخذ بني إسرائيل من فرعون ويخرج بهم، وقبل أن يصل بهم إلى البحر تنبه لهم قوم فرعون وجاءوا بجيوشهم، وكان قوم فرعون من ورائهم والبحر من أمامهم، فقال قوم موسى إيماناً بالأسباب:
{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء: ٦١] .
بالله أأحد يكذِّب هذه المقولة؟! لا، فماذا قال موسى عليه السلام؟ لم يقل مثلما قال قومه، ولكنه نظر للمُسبب الأعلى فقال بملء فيه:{كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: ٦٢] .
وهل تُكذَّب مقولته؟ لا لا تُكذب؛ لأنه لم يقل:«كَلاَّ» اعتماداً على أسبابه. فليس من محيط أسبابه أن يخرج من مثل هذا الموقف، بل قال:{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ، ماذا قال له الله؟
قال له:{اضرب بِّعَصَاكَ البحر}[الشعراء: ٦٣] .
لم يقل له: اهجم عليهم واغلبهم، لا. بل قال:{اضرب بِّعَصَاكَ البحر} ؛ كي يعطي الشيء ونقيضه، ولتعرف أن مرادات الحق سبحانه وتعالى تعطي الشيء ونقيضه، ولا أحد من البشر يقدر أن يصنع مثل ذلك، فلما قال له: اضرب بعصاك البحر، ضرب موسى البحر بالعصا، وكان موسى يعلم قانون الماء استطراقا وسيولة، لكن ها هي ذي المعجزة تتحقق:{فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم}[الشعراء: ٦٣] .