المسببات إن كان مؤمناً أو كافراً. وهذا هو عطاء الربوبية، إنه - سبحانه - رزق الإنسان وسخر الأشياء له، فهو لم يسخر الكون للمؤمن فقط وإنما سخره للمؤمن وللكافر، فكذلك طلب منا أن نؤدي الأمانة للمؤن والكافر، وطلب منا أن نعدل بين المؤمن والكافر.
ولنا في الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الأسوة الحسنة، فقد حدث أن «طعمة ابن أُبيرق» أحد بني ظُفر سرق درعا من جارٍ له اسمه «قتادة بن النعمان» ، في جراب دقيق والاثنان مسلمان، إلا أن منافذ الحق لمرتكب الجريمة ضيقة مهما ظن اتساعها، مثلما نقول:«الجريمة لا تفيد» ، فوضع الدرع المسروقة في جراب كان فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب وهو يسير من بيت قتادة بن النعمان وخبأ الدرع عند يهودي اسمه «زيد بن السمين» ، فلما فطن قتادة بن النعمان لضياع الدرع قال: سرق الدرع.
سرق الدرع. فتتبعوا الأثر فوجدوه إلى بيت طعمة ابن أبيرق، فحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه. فتتبعوا الأثر ثانية فوجدوا الدرع عند اليهودي «زيد بن السمين» فقال اليهودي دفعها إلى طعمة وشهد له ناس من اليهود، ورفع الأمر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وجاء بنو ظفر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبريء اليهودي فهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يفعل وأن يعاقب اليهودي فأنزل الله عليه حكمه الفصل: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً واستغفر الله إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}[النساء: ١٠٥ - ١٠٧] .
أي لا تكن يا محمد مدافعاً عن الخائنين واستغفر الله إن كان هذا الخاطر قد جال برأسك بأن ترفع رأس مسلم على يهودي؛ لأن الحق أولى من المسلم؛ فما دام هو قبل