وهناك ثالث يقول: بدلاً من أن يأتي الناس من أماكنهم متعبين بدوابهم ليحملوا الماء في القِرَب أو على رءوس الحاملين، لماذا لا أستخدم العقل البشري في الارتقاء بخدمة الناس لينتقل الماء إلى الناس في أماكنهم، وهنا يصنع الصهاريج العالية ويصلها بمواسير وأنابيب إلى كل من يريد ماء فيفتح الصنبور ليجد ما يريد. ومن فعل ذلك يسَّر على الناس، فيكون مصلحاً بأن جاء إلى الصالح في ذاته فزاده صلاحاً.
ويختم الحق الآية بقوله:{وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً} . و «أولئك» تعني النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا توجد رفقة أفضل من هذه، والرفيق هو: المرافق لك دائما في الإقامة وفي السفر، ولذلك يقولون: خذ الرفيق قبل الطريق، فقد تتعرض في الطريق لمتاعب وعراقيل؛ لأنك خرجت عن رتابة عادتك فخد الرفيق قبل الطريق. ونعرف أن الأصل في المسائل المعنوية: كلها منقولة من الحسيات، وفي يد الإنسان يوجد المرفق. . يقول الحق:{فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق}[المائدة: ٦] .
وساعة يكون الواحد مرهقاً ورأسه متعباً يتكئ على مرفقه ليستريح، وساعة يريد أن ينام ولم يجد وسادة يتكئ على مرفقه أيضاً. إذن فالمادة كلها مأخوذة من الرفق، فالرفيق مأخوذ من الرفقو «المرافق» مأخوذة من الرفق لأنها ترفق بالجسم وتريحه، وفي كل بيت توجد المرافق وهي مكان إعداد الطعام وكذلك دورة المياه، وفي الريف تزيد المرافق ليوجد مكان لمبيت الحيوانات التي تخدم الفلاح، وبيوت الفقراء قد تكون حجرة واحدة فيها مكان للنوم، ومكان للأكل، وقد يربط الفقير حماره في زاوية من الحجرة، لكن عندما يكون ميسور الحال فهو يمد بيته بالمرافق المكتملة. أي يكون في المنزل مطبخ مستقل، ومحل لقضاء الحاجة، وحظيرة مستقلة للمواشي، وكذلك يكون هناك مخزن مستقل، وهذه كلها اسمها «مرافق» لأنها تريح كل الناس.
إذن فقوله:«وحسن أولئك رفيقاً» مأخوذة من الرفق وهو: إدخال اليسر، والأنس، والراحة، ويكون هذا الإنسان الذي أطاع الله ورسوله بصحبة النبيين،