للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن فالطاغوت يطلق على المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع، وهل الطاغوت هو الشيطان؟ . يصح. أهو الظالم الجبار الذي يطغيه التسليم له بالظلم؟ يصحّ، أهو الذي يفرض الشرّ على الناس فيتقوا شرّه؟ يصحّ، وكل تلك الألوان اسمها «الطاغوت» .

والأسلوب القرآني يتنوع فيأتي مرة ليقول: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ} [آل عمران: ١٣] .

وانظر للمقابلة هنا: {الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت} ، هنا {آمَنُواْ} و {كَفَرُواْ} وهنا أيضا في {سَبِيلِ الله} و {فِي سَبِيلِ الطاغوت} هذه مقابل تلك. لكي نعرف العبارات التي ينثرها ربنا سبحانه وتعالى علينا أن ندرك فيها الخطفة الإعجازية، قال في هذه الآية: {الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ} مقابلات؛ لأن الكافر مفهوم أنه طاغوت، ولكن: إذا ذكرت في الثانية مقابلا لمحذوف من الأولى، أو حذفت من الأولى مقابلاً من الثانية، هذا يسمونه في الأسلوب البياني احتباكا كيف؟

ها هوذا قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ} أي تقاتل في سبيل الطاغوت، ويقابلها الفئة التي تقاتل في سبيل الله ولا بد أن تكون مؤمنة.

إذن فالكلام كله منسجم، فقال: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ} وترك صفتها كمؤمنة وقال: {تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله} وسنعرف على الفور أنها مؤمنة، وربنا يحرك عقولنا كي لا يعطينا المسائل بوضوح مطلق بل لنعمل فكرنا، كي لا يكون هناك تكرار، ولكي تعرف أنه إذا قال: {فِي سَبِيلِ الله} يعني مؤمناً، وإذا قال: {فِي سَبِيلِ الطاغوت} يكون كافراً.

ويتابع الحق: {فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان} . أي نصراء الشيطان الذين ينفخون في مبادئه، والذين ينصرون وسوسته في نفوسهم ليوزعوها على الناس، هؤلاء هم

<<  <  ج: ص:  >  >>