وهكذا نعرف أن قوله الحق:«يدرككم» تدل على أن الموت يلاحق حياة الإنسان ويجري وراء روحه حتى يدركها.
ويقول الحق:{وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} . وعندما نبحث في الحروف الأصلية لمادة كلمة «البروج» نستطيع أن نرى المعنى العام لها. والحروف الأصلية في هذه الكلمة هي «الباء» و «الراء» و «الجيم» وكلها تدل على الارتفاع والظهور.
فيقال:«هذه امرأة فيها بَرَج» أي أن عيونها واسعة وتحتل قدراً كبيراً من وجهها وتكون واضحة، فالبَرَجُ هو الاتساع والظهور.
والإبراج عادة كان بناؤها مرتفاً كحصون وقلاع نبنيها نحن الآن من الأسمنت والحديد. والقصد من «مشيدة» أي أنها بروج تم بناؤها بإحكام، فالشي قد يكون عالياً ولكنه قد يكون هشاً. أما الشيء المشيد فهو من «الشِّيد» وهو «الجص» ، ومن «الشَّيْد» وهو «الارتفاع» ، والمقصود أن لبنات البرج تلتحم أبعاضها وأجزاؤها بالجص فهي مرتفعة متماسكة.
إنك إذا رأيت جمعاً وقوبل بجمع فمعنى ذلك أن القسمة تعطينا آحاداً. فساعة يدخل المدرس الفصل يقول لطلابه: أخرجوا كتبكم. فمعنى هذا القول أن يخرجٍ كل تلميذ كتابه. وعلى ذلك يكون القياس. فلو بني كل إنسان لنفسه برجاً مشيداً لجاءه الموت.
والجمع مقصود أيضا: أي لو كنتم جميعا معتصمين ببرج محاط ببرج آخر وثالث ورابع، كأنه حصن محصن فالحصون في بعض الأحيان يتم بناؤها وكأنها نقطة محاطة بدائرة صغيرة. وحول الدائرة دائرة أخرى أوسع. وبذلك تجد الحصن نقطة محاطة بعدد من الحصون. والموت يدرك البشر ولو كانوا في برج محاط ببروج. وكلا المعنيين يوضح قدرة الحق في إنفاذ أمره بالموت.
وساعة يتكلم سبحانه عن الموت وعن الحياة في الجهاد فهو يريد أن يخرج الناس