من الظلمات إلى النور؛ لأن الدين هو نور طارئ على ظلمة، والذين يعيشون في الظلام يكونون قد ألفوا الظلمة والفوضى وكل منهم يعربد في الآخرين. وعندما جاء الدين فرّ بعضهم من مجيء النور؛ لأن النور يحرمهم من لذات الضلال؛ ولأن النور يوضح الرؤية.
لذلك يوضح سبحانه وتعالى أنه أتى بالموت ليؤدي حاجتين: الحاجة الأولى: أنّ مَن يؤمن عليه أن يستحضر الموت لأن جزاءه لا يكون له منفذ إلا أن يموت ويلقى ربه، ويعلم أن الحاجب بينه وبين جزاء الخالق هو الموت، فساعة يسمع كلمة الموت فهو يستشرف للقاء الله؛ لأنه ذاهب إلى الجزاء.
والحاجة الثانية: أن غير المؤمن يخاف الموت ويخشاه ولا يستعد له ويخاف أن يلاقي ربه. إذن فكلمة «الموت» تعطي الرَّغب والرَّهَب. فصاحب الإيمان ساعة يسمع كلمة الموت يقول لنفسه: إن متاعب الدنيا لن تدوم، أريد أن ألقى ربي.
ولذلك يجب أن يستحضر المؤمنون بالله تلك القضية. وحين يستحضرون هذه القضية يهون عليهم كل مصاب في عزيز؛ فالإنسان ما دام مؤمناً فهو يعرف أن العزيز الذي راح منه إما مؤمن وإمَّا غير مؤمن، فإن كان مؤمناً فليفرح له المؤمن الذي افتقده؛ لأن الله عجَّل به ليرى خيره، فإن حزنت لفقد قريب مؤمن فأنت تحزن على نفسك. وإن كان الذي ذهب إلى ربه غير مؤمن، فالمؤمن يرتاح من شره. إذن الموت راحة، والذي عمل صالحاً يستشرف إليه، وهذا رَغَب، أما الكافر فهو خائف؛ وهذا رَهَب.
ولذلك فمن الحمق أن يحزن الإنسان على ميْت، وعليه أن يلتفت إلى قول الحق:{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} .
ويتابع الحق:{وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله فَمَالِ هؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} . ومثل هذا الكلام أليق بمن؟