فما الذي كان قبل هذه الآية لتترتب عليه السببية في قول الله سبحانه لسيدنا رسول الله:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} نقول: ما دام الأمر جاء «فقاتل» فعلينا أن نبحث عن آيات القتال المتقدمة، ألم يقل قبل هذه الآية:{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الذين يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[النساء: ٧٤] .
والآية الثانية:{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء}[النساء: ٧٥] .
إذن أمر القتال موجود من الله لمن؟ لرسول الله، والرسول يبلغ هذا الأمر للمؤمنين به، والرسول يسمعه من الله مرة واحدة؛ لذلك فإنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أول من يصدق أمر الله في قوله:{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} . ثم ينقلها إلى المؤمنين، فمن آمن فهو مصدق لرسول الله في هذا الأمر. فالرسول هو أول منفعل بالقرآن فإذا قال الحق:{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الذين يَشْرُونَ الحياة الدنيا}[النساء: ٧٤] .
أو عندما يقول له الحق:{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله}[النساء: ٧٥] .
وما دام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو أول منفعل بأوامر الله، فإذا جاءه الأمر فعليه أن يلزم نفسه أولاً به، وإن لم يستمع إليه أحد وإن لم يؤمن به أحد أو لم يتبعه أحد، وهذا دليل على أنه واثق من الذي قال له:{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} وما دام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو أول منفعل فعليه أولاً نفسه؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ