للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بإقباله على القتال وحده، إنما يدل مَن سمع القرآن على أن الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن، أول مصدق، ومحمد لن يغش نفسه. فقبل أن يأمر المؤمنين أن يقاتلوا، يقاتل هو وحده. ولذلك نجد أن سيدنا أبا بكر الصديق - رضوان الله عليه - حينما انتقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى الرفيق الأعلى وحدثت الردة من بعض العرب، وأصرّ خليفة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أن يقاتل المرتدين وقال: لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لجالدتهم عليه بالسيف. وحاول بعض الصحابة أن يثني أبا بكر الصديق عن عزمه فقال: والله لو عصت يميني أن تقاتلهم لقاتلتهم بشمالي.

إذن فقول الله لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} ينبهنا إلى أن هناك فرقاً بين البلاغ وبين تنفيذ المبلَّغ.

وما دام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد سمع من الله، فهو ملزم بتطبيق الفعل أولاً، وبعد ذلك يبلغ الرسول المؤمنين، فمن استمع إليه فعل فعله.

وقول الحق: {لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} هو تكليف بالفعل لا بالبلاغ فقط، فالرسول يبلغ، لكن أن يفعل المؤمنون ما بلغهم به عن الله أو لا يفعلوا فهذا ليس من شأنه ولا هو مكلف به. ولكن على الرسول أن يلزم ويكلف نفسه ليقاتل في سبيل الله. {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} .

أمعني ذلك أن يترك الرسول الذين آمنوا به لنفوسهم؟ . لا فالحق قد أوضح: عليك أيضاً أن تحرضهم على القتال فلا تتركهم لنفوسهم: {وَحَرِّضِ المؤمنين عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ} ومعنى «حرض» مأخوذ من «الحُرْض» وهو ما به إزالة العوائق وما ينطف الأيدي والملابس مما يرين عليها ويعلوها من الوسخ والدنس، فعليك يا رسول الله أن تنظر في أمر صحابتك وأتباعك وتعرف لماذا لا يريدون أن يقاتلوا، وعليك أن تنفض عنه الموانع وتزيل العوائق التي تمنعهم أن يقاتلوا.

{وَحَرِّضِ المؤمنين عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ} ، وكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يقول لرسوله: إنك لا تنصر بالكثرة المؤمنة بك، ولكن المؤمنين هم

<<  <  ج: ص:  >  >>