وهذا القول فيه نفي الهداية عن الرسول، وهو سبحانه القائل أيضاً:{وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢] .
وليس من المعقول أن ينفي الحق الهداية عن الرسول ثم يثبتها له. ونفهم من ذلك: إنك يا رسول الله تدل على الحق، ولكنك لا تعين عليه. فالله هدى الناس جميعاً فدلهم على طريق الخير. فمن آمن به وأقبل عليه يسر له الأمر.
وبذلك نكون قد عرفنا تماماً معنى قوله الحق:{والله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} . فالذي يضله الله هو من اكتسب ما يوجب أن يضله فلا تجد له سبيلاً. وكان من الممكن أن يقول الله: أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلا تستطيعون أن تهدوه، ولكن الأبلغ هو ما يوضحه سبحانه لنا: أنتم لا تستطيعون هداية هذا المكتسب للضلال؛ ذلك أنه لا يوجد سبيل حتى تهدوه إليه. فالسبيل هو الممتنع وليس الهداية فقط.
والسبيل هو الطريق الذي يعطيك حقاً في الهداية، فإذا ما امتنع السبيل فماذا تفعل؟ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً في أن ينقض هذا القرار، أي لا حجة له على الإطلاق.
ولذلك أخذنا المعنيين هنا، فالذين ينافقون يظهرون الإيمان مرة وينقلبون إلى الكفر مرة، هم ينكرون الإيمان بقلوبهم والذي يقولون بألسنتهم هو الإسلام، أمّا الإيمان فلمَّا يدخل في قلوبهم.
وما هو الأعز على النفس البشرية؟ مكنونات القلب أم مقولة اللسان؟
الأعز هو مكنونات القلب. وما داموا هم لا يؤمنون بقلوبهم ويقولون فقط بألسنتهم، فالعقيدة داخلهم معقودة على الكفر، وما دامت العقيدة معقودة على الكفر فهم لا يريدون أن يأتوا إلى صف الإيمان، ولكنهم يريدون جر المؤمنين إلى معسكر الكفر؛ لذلك يقول الحق بعد ذلك: