خارجاً منها، والحق يريد من الإنسان أن ينمي في الأرض هذه الخاصية فيأتي الإنسان بالبذور ويحرث الأرض ويزرعها. فهذا يزيد الأمر الصالح صلاحاً. وهذا كله فرع وجود الحياة.
إذن فالاستخلاف في الأرض لإعمارها يتطلب حياة واستبقاء حياة للخليفة. وما دام استبقاء الحياة أمراً ضرورياً فلا تأتي أيها الخليفة لخليفة آخر مثلك لتنهي حياته فتعطل إحياءه للأرض واستعماره لها. فالقتال إنما شُرع للمؤمنين ضد الكافرين؛ لأن حركة الكافرين في الحياة حركات مفسدة، ودرء المفسدة دائماً مقدم على جلب المصلحة. فالذي يفسد الحياة يقاتله المؤمنون كي ننهي الحياة فيه، ونُخَلِّص الحياة من معوق فيها.
إذن فيريد الحق أن تكون الحياة لمن تصلح الأرض بحياته. والكافرون يعيثون في الأرض فساداً، ويعيشون على غير منهج، ويأخذون خير الضعيف ليصيروا هم به أقوياء، فشرع الله القتال إما ليؤمنوا فيخضعوا للمنهج، وإما ليخلص الحياة من شرهم. فإذا ما وجه الإنسان القتل لمؤمن - وهو في ذاته صالح للاستعمار في الحياة - يكون قد جنى على الحياة، وأيضاً لو قتل الإنسان نفسه يكون قد جنى على الحياة كذلك، لماذا؟ لأنه أفقد الحياة واحداً كان من الممكن أن يعمر بحركته الأرض.
فإن اجترأ على حياته أو على حياة سواه فلا بد أن نؤدبه. كيف؟ قال سبحانه:{والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا}[يونس: ٢٧] .
والتشريع الإسلامي وضع للقاتل عن سبق إصرار وترصد عقاباً هو القتل. وبذلك يحمي التشريع الحياة ولا ينمي القتل، بل يمنع القتل.
إذن، فالحدود والقصاصات إنما وضعت لتعطي الحياة سعة في مقوماتها لا تضييقا في هذه المقومات، والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن القتال المشروع أراد أن يوضح لنا: إياكم أن تتعدوا بهذه المسألة، وتستعملوا القتال في غير الأمر المشروع، فإذا ما اجترأ إنسان على إنسان لينهي حياته في غير حرب إيمانية شرعية فماذا يكون الموقف؟