يقول التشريع: إنه يقتل، وكان يجب أن يكون في بالك ألا تجترئ على إزهاق حياة أحد إلا أن يكون ذلك خطأ منك، ولكن إن أنت فعلت خطأ نتج عنه الأثر وهو القتل. فماذا يكون الأمر؟ هناك منفعل لك وهو القتيل وأنت القاتل ولكن لم تكن تقصده، هما - إذن - أمران: عدم القصد في ارتكاب القتل الخطأ، والأمر الثاني هو حدوث القتل.
يقول التشريع في هذه المسألة: إن القاتل بدون قصد قد أزهق حياة إنسان، وحياة هذا الإنسان لها ارتباطات شتى في بيئته الإيمانية العامة، وله ارتباطاته ببيئته الأهلية الخاصة كعائلته، العائلة له أو العائل لها أو الأسرة أو الأقرب من الأسرة وهو الأصل والفرع، فكم دائرة إذن؟ دائرة إيمانية عامة، ودائرة الأهل في عمومها الواسع، ودائرة الأسرة، ودائرة خصوصية الأسرة في الأصل والفرع. وحين تنهي حياة إنسان في البيئة الإيمانية العامة فسوف تتأثر هذه البيئة بنقصان واحد مؤمن خاضع لمنهج الله ومفيد في حركته؛ لأن الدائرة الإيمانية فيها نفع عام.
لكن دائرة الأهلية يكون فيها نفع خاص قليلاً والدائرة الأسرية نجد أن نفعه فيها كان خاصا بشكل ما، وفي الأصل والفرع نجده نفعا مُهِمّاً وخاصاً جداً. إذن فهذا القتل يشمل تفزيعاً لبيئة عامة ولبيئة أسرة ولبيئة أصل وفرع.
ولذلك أريد أن تلاحظوا في أحداث الحياة شيئا يمر علينا جميعا، ولعل كثيراً منا لا يلتفت إليه، مع أنه كثير الحدوث، مثلاً: إذا كنا جالسين في مجتمع وجاء واحد وقال: «فلان مات» ، وفي هذا المجتمع أناس يعرفونه معرفة عامة. وآخرون يعرفونه معرفة خاصة ولهم به صلة، وأناس من أهله، وفيه والد الميت أو ابنه، انظروا إلى أثر النعي أو الخبر في وجوه القوم، فكل واحد سينفعل بالقدر الذي يصله ويربطه بمن مات. فواحد يقول:«ي رَحِمَهُ اللَّهُ» وثانٍ يتساءل بفزع: «كيف حدث ذلك» ؟ وثالث يبكي بكاء مراً، ورابع يبكي جارياً ليرى الميت. والخبر واحد فلماذا يتعدد أثر وصدى الانفعالات، ولماذا لم يكن الانفعال واحداً؟
نقول: إن الانفعال إنما نشأ قهراً بعملية لا شعورية على مقدار نفع الفقيد لمن ينفعل لموته؛ فالذي كان يلتقي به لِمَاماً ويسيراً في أحايين متباعدة يقول:«رَحِمَهُ اللَّهُ» .