وهم في الألم سواء، ولكن الاختلاف هو أن المؤمنين يرجون ما لا يرجوه الكافرون، إن المؤمنين يعلمون لحظة دخولهم الحرب أن الله معهم وهو الذي ينصرهم ومن يمت منهم يذهب إلى جنة عرضها السموات والأرض، وهذا ما لا يرجوه الكفرة.
والحق سبحانه وتعالى يطالب الفئة المؤمنة التي انتهت قضية عقيدتها إلى الإيمان بإله واحد؛ هو - سبحانه - أنشأهم وخلقهم وإليه يعودون، وهذه القضية تحكم حركات حياتهم؛ إنه - سبحانه - يطالبهم أن يؤدوا مطلوبات هذه القضية، وأن يدافعوا عن هذه العقيدة التي تثبت للناس جميعاً أنه لا معبود - أي لا مطاع - في أمر إلا الحق سبحانه وتعالى.
وحين تحكم هذه القضية أناساً فهي توحد اتجاهاتهم ولا تتضارب مع حركاتهم، ويصبحون جميعاً متعاونين متساندين متعاضدين؛ لذلك جعل الله الطائفة المؤمنة خير أمة أخرجت للناس؛ لأن رسولها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خير رسول أرسل للناس، وطلب الحق من أهل الإيمان أن يجاهدوا الكافرين والمنافقين لتصفو رقعة الإيمان مما يكدر صفو حركة الحياة.
والحق يعامل خلقه كبشر، إنّه خلقهم ويعلم طبائعهم وغرائزهم ولا يخاطبهم على أنهم ملائكة، وإنما يخاطبهم على أنهم بشر، وهم أغيار، ومن الأغيار أن يصفو لهم أمر العقيدة مرة، وأن تعكر عليهم شهواتهم صفو العقيدة مرة أخرى؛ لذلك يؤكد لهم أن طريق العقيدة ليس مفروشاً بالرياحين والورود، وإنما هو مفروش بالأشواك حتى لا يتحمل رسالة الحق في الأرض إلا من صبر على هذه البلايا وهذه المحن. فلو كانت القضية على طرف الثمام أي سهلة التناول لا مشقة في الحصول عليها وتدرك بدون آلام وبدون متاعب فسيدعيها كل إنسان ويصبح غير مأمون على حمل العقيدة.
من أجل ذلك لم ينصر الله الإسلام أولاً، إنما جعل الإسلام في أول أمره ضعيفاً مضطهداً، لا يستطيع أهله أن يحموا أنفسهم، حتى لا يصبر على هذا الإيذاء