أي أنزلناه منجماً لنثبت به فؤادك. ولو نزل القرآن جملة واحدة لقلل من مرات اتصال السماء بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وهو يريد مداومة اتصال السماء به. بدليل أن الوحي عندما فتر جلس الرسول يتطلع إلى السماء ويتشوق. لماذا؟ ففي بداية النزول أرهقه الوحي، لذلك قال الرسول:«فضمني إليه حتى بلغ مني الجهد» .
ورأته خديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «وإن جبينه ليتفصد عرقاً» فاتصال جبريل بملكيته ونورانيته برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في بشريته لا بد أن يحدث تغييراً كيميائيا في نفس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
«عن عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن الحارث بن هشام رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول. قال عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا «.
إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يواجه المتاعب وأراد الله بفترة الوحي أن يحس محمد حلاوة الوحي الذي نزل إليه، وأن يشتاق إليه، فالشوق يعين الرسول على تحمل متاعب الوحي عندما يجيء، ولذلك نجد أن عملية تفصد العرق لم تستمر كثيرا؛ لأن الحق قال:{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى}[الضحى: ٤]
أي أن الحق أوضح لرسوله: إنك ستجد شوقا وحلاوة ولذة في أن تستقبل هذه الأشياء.