للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان: ٣٢]

وهكذا كان القرآن ينزل منجماً، على فترات، ويسمع الصحابة عدداً من آيات القرآن. ويحفظونها ويكتبها كُتَّابُ الوحي وبعد ذلك تأتي معجزة أخرى من معجزات القرآن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فتنزل سورة كاملة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وبعد أن يُسرى عنه يقول للكتبة: اكتبوا هذه. ويرتب رسول الله الآيات بمواقعها من السورة. ثم يقرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ السورة في الصلاة ويسمع المصلون الترتيل الذي تكون فيه كل آية في موقعها، وهذا دليل على أن المسألة مدروسة دراسة دقيقة، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين يحكي إنما يحكي صدقاً.

وإلا فَقُولُوا لي: كيف ينزل الوحي على رسول الله بسورة بأكملها ويميلها للكتبة، ثم يقرؤها في الصلاة كما نزلت وكما كتبها أصحابه، كيف يحدث ذلك إن لم يكن ما نزل عليه صدقاً كاملاً من عند الله؟ ونحن قد نجد إنساناً يتكلم لمدة ربع ساعة، لكن لو قلنا له: أعد ما تكلمت به فلن يعيد أبداً الكلمات نفسها، لكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعيد الآيات كما نزلت. مما يدل على أنه يقرأ كتاب الله المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنه تنزيل من حكيم حميد. ولذلك يقول الحق: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: ٣٣]

أي لا يأتونك بحادثة تحدث إلا جئناك بالحق فيها.

إذن لم يكن للقرآن أن ينزل منجماً إلا ليثبت فؤاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من تتابع الهزات التي يتعرض لها، وأراد الله أن ينشر اتصال السماء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الثلاثة والعشرين عاماً التي استغرقتها الرسالة.

والترتيل هو التنجيم والتفريق الذي ينزل به القرآن فيقرأه الرسول في الصلاة مثلما نزل عليه قبل ذلك دون تحريف أو تبديل، والحق يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>