ونحن هنا في هذه الآية نرى قول الله:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} . وأسلم وجهه أي أسلم اتجاهه؛ لأن الإنسان حين يكون ذاهباً إلى قصد أو هدف أو غرض، فيكون وجهه هو المتجه؛ لأن الإنسان لا يسير بظهره. والوجه هنا - إذن - هو الاتجاه.
ولماذا جاء الحق بالوجه فقط، برغم أن المؤمن يسلم مع الوجه كل الجوارح؟؛ لأن الوجه أشرف الأعضاء، ولذلك جعل سبحانه السجود أضرف موقع للعبد؛ لأن القامة العالية والوجه الذي يحرص الإنسان على نظافته يسجد لله.
إذن أسلم وجهه لله، أي أسلم وجهته واتجاهه للهن ومعنى «أسلم» من الإسلام، ف «أسلم» تعني: سلّم زمام أموره لواحد. حين يسلم الإنسان زمامه إلى مساو له فهذه شهادة لهذا المساوي أنه يعرف في هذا الأمر أفضل منه. ولا يسلم لمساو إلا إن شهد له قبل أن يلقي إليه بزمامه أنّه صاحب حكمة وعلم ودراية عنه. فإن لم يلمس الإنسان ذلك فلن يسلم له. وما أجدر الإنسان أن يسلم نفسه لمن خلقه، أليس هذا هو أفضل الأمور؟ .
إن الإنسان قد يسلم زمامه لإنسان آخر لأنه يظن فيه الحكمة، ولكن أيضمن أن يبقى هذا الإنسان حكيماً؟ إنّه كإنسان هو ابن أغيار، وقد يتغير قلبه أو أن المسألة المسلم له لها تكون مستعصية عليه، لكن عندما أسلم زمامي لمن خلقني فهذا منتهى الحكمة. ولذلك قلنا: إن الإسلام هو أن تسلم زمامك لمن آمنت به إلهاً قوياً وقادراً وحكيماً وعليماً وله القيومية في كل زمان ومكان. وحين يسلم الإنسان وجهه لله فلن يصنع عملاً إلا كانت وجهته إلى الله. {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ}[النساء: ١٢٥]