ولماذا جاءت كلمة «محسن» هنا؟ وقد تكلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن الإحسان، ونعرف أننا آمنا بالله غيباً، لكن عندما ندخل بالإيمان إلى مقام الإحسان، فإننا نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فهو يرانا. «والحوار الذي دار بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأحد صحابته وكان اسمه الحارث فقال له:» كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«انظر ما تقول؛ فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟» قال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت لذلك ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها (يتصايحون فيها) فقال: «يا حارث عرفت فالتزم ثلاثا» .
ويعرف الإنسان من أهل الصلاح أنّه في لقاء دائم مع الله، لذلك يضع برنامجاً لنفسه موجزة أنه يعلم أنه لا يخلو من نظر الله إليه (وهو معكم أينما كنتم) إنه يستحضر أنه لا يغيب عن الله طرفة عين فيستحيي أن يعصيه.
ويوضح الحديث ما رواه سيدنا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عندما سأل حبريل - عليه السلام - رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال له: فأخبرني عن الإحسان؟ قال:«أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» .
وعندما تتيقن أن الله ينظر إليك فكيف تعصيه؟ أنت لا تجرؤ أن تفعل ذلك مع عبدٍ مساوٍ لك. . فكيف تفعله مع الله؟!!
وتتجلى العظمة في قوله الحق:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} لماذا إذن «ملة إبراهيم» ؟ لأن القرآن يقول عن إبراهيم:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً}[النحل: ١٢٠]
ومعنى كونه «أُمَّةً» : أنّه الجامع لكل خصال الخير التي لا تكاد تجتمع في فرد إلا