ولم يقل الحق لك مع إخوانك المؤمنين: كونوا قائمين بالقسط، بل قال {كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط} أي أن المطلوب هو الاستمرارية للسلوك العادل. فنحن نقول:«فلان قائم» و «فلان قَوَّام» . ونعرف أن كلمة «قَوَّام» هي صيغة مبالغة. وعلى ذلك يكون الأمر الألهي لكل مؤمن: لا تقم بالقسط مرة واحدة فقط، بل اجعله خصلة لازمة فيك، ولتفعل القسط في كل أمور حياتك. والقِسط كما علمنا من قبل في ظاهر أمره هو العدل، وأيضاً الأقساط هي العدل.
وقد احدثت كلمة «القسط» ضجة عند العلماء، وقلنا تعليقا على ذلك: إن المسألة بسيرة. . فقسط يقسُط قسوطاً أي جار وظلم، فإذا أذهب الإنسان الجور والظلم يقال:«أقسط فلان» أي أذهب الجور. إذن:«القِسط - بكسر القاف - هو العدل الابتدائي، لكن الإقساط هو عدل أزال جوراً كان قد وقع.
وهب أن أناساً جاءوا لقاضٍ فحكم بينهم بالعدل، فهذا هو القِسط، وقد يستأنف أحد الطرفين حكم المحكمة الابتدائية ووجدت محكمة الاستئناف خطأ في التطبيق فأصدرت حكماً بإزالة الجور، وهذا الحكم الذي من الدرجة الثانية اسمه إقساط. وهكذا ينتهي جدل العلماء حول هذه المسألة، فالقِسط عدل من أول درجة، والإقساط يعني أنه كان هناك جور فرُفِع، لأنه مسبوق بهمزة اسمها» همزة الإزالة «، فيقال: أعجم الكتاب. أي أن الكتاب كان فيه عجمة، أي كان بالكتاب شيء مستتر وخفيّ أي يعطي معاني الألفاظ فيزيل خفاءها.
وكذلك معنى «أقسط» أي أزال الجور.
والحق يقول:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط} فأنت أيها المؤمن قد فعلت بالعقل أول مرتبة في القسط؛ ورددت الإيمان إلى الرب فهو المستحق له فقط، بل لابد أن تكون الشهادة لله. لماذا؟ .
هب أن رجلاً كافراً بالله - والعياذ بالله - ويقيم العدل بين الناس لكنه لا يدخل