بذلك العدل في حيثية الإيمان، فالذي يدخل في حيثية الإيمان يكون قائماً بالقسط وفي باله الله وبذلك تكون الشهادة وإقامة حقوق الله لا لمنفعةٍ ولا لغايةٍ ولا لهوى ولا لغرضٍ، وإنما ليستقيم كون الله كما أراد الله، وإلا لو حكم أحد بهوى لفسدت الأرض، والحق يقول:{وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ}[المؤمنون: ٧١]
لذك لا بد أن يكون المؤمن قوّاماً بالقسط وفي باله الله، ولذلك فالقيام بالقسط وحده لا يكفي، ونحن نسمع: فلان عادل ولو أنه من ديانة أخرى غير الإسلام أو كان ملحداً. ونقول: هذا العادل من أي دين أو عقيدة غير الإسلام يأخذ ثناء البشر لكنه لا يأخذ ثناء الله ولا ثوابه، ولذلك فالقوّام بالقسط يجب أن يفعل بقصد امتثال أمر الله لينال الثواب من الله.
{كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ} والشاهد في العادة هو من يشهد لمصلحة واحد ضد آخر، وعندما يقر الشاهد بذنب فهو قد شهد على نفسه، والشاهد لمصلحة واحد إنما يفعل ذلك ليرجح الحكم، والشاهد على نفسه يقر بما فعل، والإقرار سيد الأدلة. وشهادة الشاهد تقدم للقاضي الدليل الذي يرتب عليه الحكم. وهكذا يشهد المؤمن على نفسه.
وهناك معنى آخر: أنه يشهد على نفسه ولو كانت الشهادة تجر وبالا عليه، وهذه المعاني من معطيات الإشعاعات القرآنية؛ فالمؤمن يشهد على نفسه للإقرار، وقد لا تكون الشهادة على النفس بل قد تكون الشهادة واجبة عليه يؤديها لمصلحة غيره ولا يخاف فيها الشاهد من السلطان حتى وإن جار السلطان على المؤمن وأصابه بوبال في نفسه أو ماله، ومن الناس من أصابه وبال في نفسه أو أهله من السلطان لمجرد كلمة حق قيلت. فالسلطان قد لا يأخذ الإنسان بذنبه، بل قد يأخذ أهل الإنسان بهذا الذنب. والحق يوضح للعبد: لا تهتم بذلك ولا تقولن سيعذبون العيال أو سيأخذون كل شيء، إنني أنا الموجود المتكفل بعبادي.
ويطلب الحق من المؤمنين: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ أَوِ