الكعبة والحطيم، أي أن الاحتياط هنا يكون بالزيادة؛ لأننا إذا ما طفنا حتى من وراء المسجد فهو طواف حول البيت الحرام.
إذن فالاحتياط يكون مرة بالنقص ومرة يكون بالزيادة. وفي مجال الوضوء يكون غسل المرافق هو احتياط بالزيادة؛ ذلك أن «إلى» تكون الغاية بها مرة داخلة، ومرة تكون الغاية بها غير داخلة.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى من بعد ذلك:{وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} الأسلوب هنا يختلف؛ فالمطلوب هو المسح. كان المطلوب أولاً هو الغسل للوجه على اطلاقه؛ لأنه لا خلاف على الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرافق، وتم تحديد الغاية لأن الحق يريد الغسل لليدين على لون يقطع الجدل والاجتهاد فيه. ولو قال الحق:«امسحوا رءوسكم» مثلما قال: «اغسلوا وجوهكم» لما كان هناك خلاف. لكن لو قال:«امسحوا بعض رؤوسكم» فهل يوجد خلاف؟ نعم فذلك البعض لم يحدد. ولو قال:«امسحوا ربع رءوسكم» فهل يوجد خلاف؟ نعم قد يوجد خلاف لأن تحديد الربع عسير وشاق.
لماذا إذن اختار الحق هنا هذا الأسلوب {امسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} مع أن في الآية أساليب كثيرة، منها أسلوب مجرد عن الغاية، وأسلوب موجود به الغاية، وهذا الأسلوب لا هو مجرد ولا هو موجود به الغاية؟ وقال الحق:{امسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} ولنا أن نبحث عن كيفية استعمال حرف (الباء) التي تسبق «رءوسكم» .
إن «الباء» في اللغة تأتي بمعان كثيرة. قال ابن مالك في الألفية:
بالباء استعن وعد عوض الصق ... ومثل «مع» و «من» و «عن» بها انطق
ومقصود بها أن تعطي الحرية للمشرع؛ لأن الباء تأتي لمعان كثيرة، للاستعانة مثل: كتبت بالقلم، ولتعدية الفعل اللازم نحو: ذهبت بالمريض إلى الطبيب، وللتعويض مثل: اشتريت القلم بعشرين جنيها، والالتصاق نحو: مررت بخالد، وتأتي بمعنى «مع» مثل: بعتك البيت بأثاثه أي مع أثاثه، وبمعنى «من» مثل: شرب بماء النيل أي من ماء النيل، وبمعنى «عن» مثل قوله تعالى {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} ، وتأتي أيضا للظرفية نحو: ذهبت إلى