فلان بالليل أي في الليل، وتكون السببية نحو: باجتهاد محمد منح الجائزة أي بسبب اجتهاده، إلى غير ذلك من المصاحبة نحو:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي سبح مصاحبا حمد ربك.
إن الذي يقول: امسحوا بعض رءوسكم ولو شعرة، فهذا أمر يصلح ويكفي وتسعفه الباء لغة، والمسح يقتضي الإلصاق، والآلة الماسحة هي اليد. وهناك من يقول: نأخذ على قدر الأداة الماسحة وهي اليد أي مسح مقدار ربع الرأس.
إذن كل حكم من هذه الأحكام يصلح لتمام تنفيذ حكم مسح الرأس، ولو أن الله يريدها على لون واحد لأوضح ما أراد، فإن أراد كل الرأس لقال:«امسحوا رءوسكم» كما قال: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} ، وإن كان يريد غاية محددة، لحدد كما حدد غسل اليدين إلى المرفقين.
ومادام سبحانه قد جاء بالباء، والباء في اللغة تحتمل معاني كثيرة؛ لذلك فمن ذهب إلى واحدة منها تكفي، لأن أي غاية محتملة بالباء أمر صحيح.
والأمر هنا أن يتفهم كل منفذ لحكم محتمل ألا يُخَطِّئَ الحكم الآخر. بل عليه أن يقول: هذا هو مقدار فهمي لحكم الله. والله ترك لنا أن نفهم بمدلول الباء كما أرادها في اللغة. وقد خلقك الحق أيها الإنسان مقهورا لأشياء لا قدرة لك فيها؛ كحركة الجوارح، وكالأشياء التي تصيب الإنسان كالموت.
إن هناك أشياء أنت مخير فيها، ولذلك كان تكليف الحق لك مبنيا على هذا؛ ففي أشياء يقول لك:«افعل كذا» أو «لا تفعل كذا» وفي أشياء أخرى يترك لك حرية التصرف في أدائها. وذلك حتى يتسق التكليف مع طبيعة التكوين الإنساني. فلم يَصُب الله الإنسان في قالب حديدي. ولنا في سلوك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ القدوة الحسنة؛ هذا الرسول الذي أوكل إليه الحق إيضاح كل ما غمض من أمور الدين؛ فقال له الحق:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: ٤٤]
وحينما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مع المؤمنين في غزوة الأحزاب التي قال عنها الحق: