«وقَسَطَ» معناها «عدل» . والفعل المضارع لها هو يقسط. والمصدر «قِسطا» ، ومرة يكون المصدر «قُسوطا» . والمصدر هو الذي قد يحول المعنى من العدل إلى الجور. فالقِِسط بمعنى العدل. وقَسَطَ يَقْسِطُ قُسُوطاً. أي جار وظلم. هنا نجد الفعل يأتي بالمعنى وضده؛ حتى يمتلك السامع اليقظة والفطنة التي تجعله يعرف التمييز بين معنى العدل ومعنى الجور.
وحين نقول «أقسط» فإنها بمعنى عدل، وهنا ننتبه إلى ما يلي: أن هناك فرقاً بين عَدْلٍ يأتي من أول الأمر وذلك هو القِسط، وهناك حكم ظالم يحتاج إلى حكمٍ آخر يزيل الظلم. وذلك الذي نستعمل له «أقسط» أي أزال الظلم. فكأن جوراً كان موجوداً وأزاله الحكم. فالقِسط - إذن - هو العدل الابتدائي. ولذلك نسمع قول الحق سبحانه وتعالى:{وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً}[الجن: ١٥]
والقاسطون هنا هم الظالمون، فالقسط هنا من قسط يقسط قُسوطا.
وفي الاية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق:{شُهَدَآءَ بالقسط} أي شهداء بالعدل. واللباقة في السامع هي التي توجه اللفظ إلى معناه المراد من خلال السياق، فالسامع للقرآن يُفْترض فيه الأريحية اللغوية بحيث يستطيع أن يفرق بين الشيء والمشابه له من شيء آخر. إذن فهناك قسط وأقسط، قسط بمعنى عدل، وأقسط بمعنى أقام القسط بإزالة الجور. والقسوط معناه الجور.
والحق يقول:{إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} و «المقسطين» هي جمع «مُقسط» ؛ من: أقسط أي أزال الظلم والجور إذن فالذي يرجح المعنى هنا سياق الكلمة ومصدرها. وقد يراد بالكلمة المعنى المصدري. والمعنى المصدري لا يختلف باختلاف منطوقه، فيقال:«رجل عدل» ويقال: «امرأة عدل» . ويقال:«رجلان عدل» ، ويقال:«امرأتان عدل» ، و «رجال عدل» ، و «نساء عدل» .
إذن فإن أردنا بالكلمة المصدر فهي لا تتغير في المفرد والمثنى وجمع المذكر وجمع المؤنث. والقرآن الكريم يقول: