وفي الريف المصري نجد أن التاجر يصنع لنفسه الموازين من الأحجار، فيعاير قطعة من الحجر بوزن الكيلو جرام، ويعاير قطعاً أخرى لأجزاء الكيلو جرام؛ ومن كثرة الاستعمال وملامسة الحجر يعرف التاجر أن الحجر يتآكل، لذلك يعيد وزن الأحجار التي يستعملها في الميزان كل فترة متقاربة من الزمن. ويقال: إنه يعاير الأوزان. وسمي القسطاس؛ فالقسطاس هو الذي تعاير به الموازين، فإذا صنع الإنسان شيئاً للميزان مما يتآكل أو يتأثر باللمس فيجب عليه أن يعايره كل فترة حتى لا يظلم أحداً ولو بمقدار اللمسة الواحدة. ولذلك يقول الحق:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله}«أقسط» هنا معناها «أعدل» . فموازين الله غير موازين البشر، فموازين البشر قد يحدث فيها اختلاف. ونرى بعض التجار ينقضون الميزان بأن يضعوا شيئاً تحت كفة الميزان أو غير ذلك من الخدع، لكن الحق هو العادل الحق. وهو صاحب الميزان الأعدل وهو القائل:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله} .
جاءت هذه الآية لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أصدر حكماً؛ وهو حكم صحيح وعادل بقواعد البشر، فأوضح الحق له الحكم الأقسط، صحيح أن عدلك يا رسول الله لا يدخله هوى ولا يميل به غرض أو شهوة. ولكن العدل عند الله أكثر دقة وله مطلق الدقة. وقد قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذا الحكم بمنطق القسط البشري في أمر زيد بن حارثة وكان مولى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كان عبداً لخديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - وهبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وبعد فترة علم أهل زيد بخبر اختطافه وبيعه كعبد وكيف آل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فجاء أهل زيد إلى رسول الله وطالبوا بابنهم. ورفض زيد أن يعود معهم وأراد أن يبقى مع رسول الله، وأراد رسول الله أن يكرم زيداً الذي فضله على أبيه وأهله مصداقاً لقول الله: