وفي مسألة الماديات والأهواء يقول أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مر بقوم يلقحون فقال: «لو لم تفعلوا لصلح» قال: فخرج شيصا، فمر عليهم فقال:«ما لنخلكم» قالوا: قلت كذا وكذا قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تركهم لتجربتهم.
السماء - إذن - لا تتدخل في المسائل التجريبية؛ لأنه سبحانه وهب العقل ووهب المادة ووهب التجربة، ورأينا رسول الله يتراجع عما اجتهد فيه بعد أن رأى غيره خيرا منه كي يثبت قضية هامة هي أن المسائل المادية المعملية الخاضعة للتجربة ليس للدين شأن بها فلا ندخلها في شئوننا، فلا نقول مثلاً: الأرض ليست كروية، أو أن الأرض لا تدور. فما لهذا بهذا؛ لأن الدين ليس له شأن بها أبداً، وهذه مسائل خاضعة للتجربة وللمعمل وللبرهان وللنظرية، بل دخل الدين ليحمينا من اختلاف أهوائنا؛ فالأمر الذي نختلف فيه يقول فيه: افعل كذا ولا تفعل كذا بحسم، والأمر الذي لم يتدخل فيه ب «افعل ولا تفعل» أوضح لك: سواء فعلته أم لم تفعله لا يترتب عليه فساد في الكون، وخذوا راحتكم فيما لم يرد فيه «افعل ولا تفعل» ، وأريحوا أنفسكم واختلفوا فيه؛ لأن الخلاف البشري مسألة في الفطرة والجبلّة والخلقة.
وهنا يقول:«قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين» و «النور» أهو الكتاب أم غيره؟ .
وفي آية أخرى يقول:{يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً}[النساء: ١٧٤]
وهذا القول يدل على أن النور هنا هو «القرآن» وجمع بين أمرين؛ برهان. . أي معجزة، ونور ينير لنا سبيلنا.
{فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا} والإيمان بالله مسألة تطبيقية مرحلية. «الله» هو قمة الإيمان و «رسوله» هو المبلغ عن الله؛ لأنه جاء لنا بالنور. إلا أن أهل الشطح يقولون: النور مقصود به النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ونقول: نحن لا نمانع