وكما نعلم ف «إن» هنا مؤكِدّة، واللام التي في أول قوله:«لمرسلون» لزيادة التأكيد.
وحين تأتي كلمة تدور على معانٍ متعددة، فالمعنى الجامع هو المعنى الأصلي، وكذلك كلمة «فترة» ، فالفترة هي الانقطاع. فإن قلت مثلاً: ماء فاتر، أي ماء انقطعت برودته، فالماء مشروط فيه البرودة حتى يروي العطش. وعندما يقال: ماء فاتر أي ماء فتر عن برودته، ولذلك يكون قولنا:«ماء فاتر» أي ماء دافئ قليلاً؛ أي ماء انقطعت عنه البرودة المرغبة فيه.
ويقال أيضاً في وصف المرأة: في جفنها فتور أي أنها تغض الطرف ولا تحملق بعينيها باجتراء. بل منخفضة النظرة. إذن فالفترة هي الانقطاع. ولقد انقطعت مدة من الزمن وَخَلَتْ من الوحي ومن الرسل. وكان مقتضى هذا أن يطول عهد الغفلة، ويطول عهد انطماس المنهج، ويعيش أهل الخير في ظمأ وشوق لمجيء منهج جديد، فكان من الواجب - مادام قد جاء رسول - أن يرهف الناس آذانهم لما جاء به، فيوضح الحق أنه أرسل رسولاً جاء على فترة، فإن كنتم أهل خير فمن الواجب أن تلتمسوا ما جاء به من منهج، وأن ترهفوا آذانكم إلى ما يجيء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لسماع مهمته ورسالته.
وقد أرسل الله إليهم الرسول على فترة حتى يقطع عنهم الحجة والعذر فلا يقولوا:{مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ} فقد جاءهم - إذن - بشير وجاءهم نذير. والبشير هو المعلم أو المخبر بخير يأتي زمانه بعد الإخبار. ومادام القادم بشيراً فهو يشجع الناس على أن يرغبوا في منهج الله ليأخذوا الخير. ولا بد من وجود فترة زمنية يمارس فيها الناس المنهج، ولا بد أيضاً أن توجد فترة ليمارس من لم يأخذ المنهج كل ما هو خارج عن المنهج ليأتي لهم الشر.
مثال ذلك قول الأستاذ: بَشِّرْ الذي يذاكر بأنه ينجح. وعند ذلك يذاكر من الطلاب من يرغب في النجاح، أي لابد من وجود فترة حتى يحقق ما يوصله إلى ما يبشر به. وكذلك النذارة لا بد لها من فترة حتى يتجنب الإنسان ما يأتي بالشر.
{قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} . ومجيء «أن تقولوا» إيضاح بأنه لا توجد فرصة للتعلل بقول « {مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ} .