ولا الإبعاد إلا لثابت. وحتى في اللغة نعرف ما يسمى النفي والإثبات. وكل ذلك مأخوذ من شيء حِسي؛ فعندما نأخذ الماء من البئر نُنزل إلى قاع البئر دلواً، وكل دلو ينزل إلى البئر له «رِشاء» وهو الحبل الذي نُنزل بواسطته الدلو.
إننا ساعة نُخرج الدلو من البئر، يكون قد أخذ من الماء على قدر سعته وحجمه. فهل لدينا حركة ثابتة نستطيع بها المحافظة على استطراق الماء إلى تمام حافة الدلو؟ طبعاً هذا أمر غير ممكن؛ بل نجد قليلا من الماء يتساقط من حوافي الدلو، وهذا الماء المتساقط يُسمى «النَّفِي» ؛ لأننا لا نستطيع استخراج الدلو وهو ملآن لآخره بحركة ثابتة مستقرة بحيث تحافظ على استطراق الماء.
إن الماء - كما نعلم - له استطراق دقيق إلى الدرجة التي جعلت البشر يصنعون منه ميزاناً للاستواء. ومن «النَفْي» تؤخذ معان كثيرة، فهناك «النفاية» وهي الشيء الزائد. إذن كيف يكون النفي من الأرض؟ وهل نأخذ الأرض بمفهومها العام أو بمعناها الخاص؟ أي الأرض التي حدث فيها قطع الطريق؟
إن أخذناها بالمعنى الخاص فالنفي يكون لأي أرض أخرى. وإن أخذنا الأرض بالمعنى العام فكيف يكون النفي؟ ونرى أن الحق سبحانه قد قال في موضع آخر من القرآن:{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض}[الإسراء: ١٠٤]
هم بلا جدال يسكنون في الأرض.
وجاء هذا القول لمعنى مقصود ونعرف أننا لا نذكر السكن إلا ويكون المقصود تحييز مكان في الأرض، كأن يقول قائل:«اسكن ميت غمر» أو «اسكن الدقهلية» أو «اسكن طنطا» ، وهذا تحديد لموقع من الأرض للاستقرار، والمعنى المقصود إذن أن الحق يبلغنا أنه سيقطعهم في الأرض تقطيعاً بحيث لا يستقرون في مكان أبدا. وذلك مصداقا لقول الله:{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً}[الأعراف: ١٦٨]
فليس لهم وطن خاص. وتمت بًعْثَرَتُهم في كل الأرض، وهذا هو الواقع الذي