كأن الحق سبحانه وتعالى بمجرد الخواطر يدفع الناس إلى ما يريد. نعم. فهو غيب قيّوم؛ ولذلك يكون تدبيره في الكون غيباً. وفي قرانا يخصّصون يوماً للسّوق ونرى ساحته في اليوم المُخصص ونتأملها فنتعجب من إبداع مُحرّك الكون؛ ففي الصباح يسير رجال إلى السوق ومعهم عصيّهم ولا يحملون شيئاً. وهؤلاء ذاهبون لشراء ما يحتاجون إليه، وآخرون يسوقون أمامهم العجول أو الحمير، وهؤلاء يذهبون لبيع بضائعهم. ونرى نساء تحمل كل واحدة منهُن صنفاً من الخضار فنعرف أنهن يذهبن للبيع في السوق.
ونرى أخريات يحملن سِلالاً فارغة، ونعرف أن كلاً منهن ذاهبة للشراء. وفي آخر النهار نرى المسألة معكوسة، من كان يحمل في الصباح شيئاً حمله غيره، فمن الذي هيّج الخواطر ليذهب من يرغب في البيع إلى السوق ليبيع؟
من الذي حرّك الشاري للشراء؟ هو الحق سبحانه يحقق للرّاغب في البيع أن يوجد المشتري، ويحقق للراغب في الشراء أن يوجد البائع. إنه ترتيب الحيّ القيّوم. ونسمع من يقول: لقد أنزلنا في السوق اليوم عشرين طناً من الطماطم وأربعين طناً من الكوسة. وغيرها من الأطنان. ونجد آخر النهار أن كل شيء قد بيع. إنها خواطر الله المتوازنة في الناس والتي توازن المجتمع.
إذن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يحمي حركة المُتحرّك. ويُريد أيضاً ألاّ يقتات الإنسان أو يتمتّع بغير مجهود؛ لأن من يسرق إنما يأخذ مجهود غيره. وهذا الفعل يُزَهِّدُ الغير في العمل.
إن في الإسلام قاعدة هي: عندما تكثر البطالة يقال لك لا تتصدق على الناس بنقود من ملكك، ولكن افتح أي مشروع ولو لم تكن في حاجة إليه كأن تحفز بئراً وتردمها بعد ذلك وأعط الأجير أجره حتى لا يتعوّد الإنسان على الكسل، بل يجب تعويده على العمل، ومن لا يقدر على العمل فلا بد له من ضمان. فضمان الإنسان لقوته يكون من عمله أولاً، فإن لم يكن قادراً على العمل، فضمانه من أسرته وقرابته، فإن لم توجد له أسرة أو قرابة، فأهل محلّته مسئولون عنه، وإن لم يستطع أهل القرية أو المحلّة أن يوفّروا له ذلك، فبيت المال عليه أن يتكفّل بالفقراء.
إذن فالأرضية الإيمانية تَحثُّنا على أن نضمن للإنسان العمل، أو نعوله ونقوم بما