نجد منطوق الآية ليس دعوى من الحق، ولكنه استفهام للخلق ليديروا الجواب على هذا، فلا يجدوا جواباً إلا أن يقولوا:{للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} . وهذا أسلوب لإثبات الحجة والإقرار من العباد، لا إخباراً من الحق:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ، وقد يقول إنسان: إن هناك أجزاء من الأرض ملكا للبشر. ونقول: صحيح أن في الأرض أجزاء هي ملك للبشر، ولكن هناك فرق بين أن يملك إنسان ما لا يقدر على الاحتفاظ به. . كملك البيت والأرض، إنه مِلْك - بكسر الميم - لمالك. وهناك «مُلْك» - بضم الميم - لِمَلِكٍ هو الله. وفي الدنيا نجد أن لكل إنسان ملكية ما. ولكن المَلِك في الأرض يملك القرار في أملاك شعبه، وهذا في دنيا الأسلوب، أما في الآخرة فالأسباب كلها تمتنع:{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}[غافر: ١٦]
فلا أحد له مُلكٌ يوم القيامة.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} والقارئ بإمعان للقرآن يجد فيه عبارات تجمع بين أمرين أحدهما يتقدم، والآخر يتأخر. ويأتي الأمر في أحيان أخرى بالعكس. ولكن هذا القول هو الوحيد في القرآن الذي يأتي على هذا النسق، فكل ما جاء في القرآن يكون الغفران مقدّماً على العذاب؛ لأن الحق سبحانه قال في الحديث القدسي:
«إن رَحمتي سبقت غَضبي»
فلماذا جاء العذاب في هذه الآية مقدماً على الغُفران:{يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} هل السبب هو التَّفنَّن في الأساليب؟ لا؛ لأن جمهرة الآيات تأتي بالغفران أولاً، ثم بالوعيد بالعذاب لمن يشاء سبحانه. ولننظر إلى السّياق. جاء الحديث أولاً عن السارق والسارقة، وبعد ذلك عمّن تاب. فالسرقة إذن تقتضي التعذيب، والتوبة تقتضي المغفرة، إذن فالترتيب هنا منطقي.