للخصم جدلاً. والتمييز النهائي هو الفيصل. وسيجد المميز حيثية ضلال الخصم واضحة وضوح حيثية هدى المسلمين. {قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة: ٥٩] .
فإن كنتم تعيبون علينا أو تكرهوننا أو تأخذون إيماننا سُبَّة فهذا أمر لا يُكره الإنسانُ من أجله؛ لأنكم تدعون أنكم مؤمنون بالله. وكذلك لا يمكن أن يُسب الإنسان من أجل الإيمان بما أنزله الله في كتاب؛ لأنكم أيضاً تقولون إنكم مؤمنون بالتوارة. وتقولون إنكم مؤمنون بالأنبياء السابقين على موسى. والخلاف أن عيسى عليه السلام جاء بعد نبيكم فكفرتم به، لكننا آمنا به فنحن منطقيون مع أنفسنا ومع ربنا.
والحق يبلغنا:{وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} . ونعرف أن صيانة الاحتمال تقتضي ألا يحكم الحق عليهم جميعاً بأنهم فاسقون؛ لأن فيهم بعضاً من الناس تراودهم نفوسهم بالإيمان وبالإسلام؛ لذلك لم يكن الحق أبداً ليعمم الحكم على كل أهل الكتاب بالفسق؛ ليعطي الفرصة لمن يفكر أن يعلن إيمانه.
ومن بعد ذلك يأتي الخبر على لسان الرسول بعقابهم:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله} إذن فهناك أمر أكثر ضرراً لكم لأنه ما كان يصح أن تكرهوا إيماننا، والأكثر ضرراً من هذا هو لعنة الله {مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} ويأتي سبحانه بالأوصاف التي فيهم، من لعنة الله وغضبه عليهم وجَعْلِه بعضاً منهم قردة وخنازير. وكيف يأتي الله بمثل هذه الأوصاف كمثوبة؟ إن هذا لون من فتح باب الرجاء والأمل ثم يصدمهم من بعد ذلك تماماً مثل قوله تعالى:
{فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: ٢١] .
والعذاب الأليم يُنذر به، وكذلك اللعنة لا يمكن أن تكون ثواباً، لكن الأسلوب القرآني يعطي النفس المخالِفة لوناً من الانبساط، ثم يعطيها اللون المناقض له من الانقباض، ليكون ذلك أبلغ في الانقباض وأكثر إيلاماً.