لماذا إذن يكون مصير هؤلاء إلى شر؟ لأنهم كرهوا سلوك المؤمنين ولم يستطيعوا أن ينفسوا عن الغل الذي في صدورهم بعقوبة المؤمنين. ولكن الله يكرههم ويملك لهم العقوبة ويكون مصيرهم الذي يوضحه الحق في قوله:{لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} واللعنة هي الطرد من الرحمة. والطرد من الرحمة يعني حرمانهم من الخير.
ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - عندما يكون هناك خادم في خدمة إنسان ما وهو يسكن ويأكل ويلبس على حساب السيد، فإذا لم يؤد هذا الخادم حقوق الخدمة على وجهها المطلوب، لا يرضى عنه سيده، ويطرده من الخدمة، وحين يطرد الإنسان فهو يُعْلن للناس أن هذا الخادم لم يؤد حق الخدمة، فلا يستخدمه أحد بعد ذلك، وهذا هو الغضب. وبهذا نعرف الفرق بين أن يُطرد من الرحمة فقط ولا يعقب ذلك شيء، أو أن يستمر الغضب بالإعلان عن السبب في الإخراج من الرحمة، فهذا معناه أن الله بعد أن طردهم يلاحقهم بغضبه وسخطه وأن لعنه لهم لا ينفك عنهم.
والله سبحانه وتعالى يعلن لأهل الكتاب: إن طردي لكم من رحمتي وتواصل غضبي عليكم هو شر عظيم. وغضب الله - كما نعلم - يترتب عليه أشياء في كل حركة من حركات حياتهم، إنه يمنع الهُدى أن ينفذ إلى قلوبهم، بأن يختم على قلوبهم فلا يدخلها الإيمان، ولا يخرج منها الكفر. أو أن يجعل منهم القردة والخنازير. وإن تساءلنا: كيف يكون نسلهم؟ نعرف أن الذي يُمسخ لا يَتَناسل، إنه يُمسخ إلى أن يُرى مسخاً ثم يؤخذ إلى الموت.
وهل هم الذين اعتدوا في السبت أو الذين عبدوا العجل أو الذين كفروا بعد نزول مائدة عيسى؟ إنهم كل هؤلاء. أو أنهم قردة، أي في خصال القردة، كالطيش وخفة الحركة وانكشاف العورة، أو طبائعهم وخصالهم كالخنازير، فهؤلاء لهم خبث ونتن وزخم كزخم الخنزير. وأهم ميزة في الخنزير أنه لا يغار على أنثاه. وهذه موجودة فيهم. وتفشت فيهم عادة تشغيل بناتهم في الدعارة وغير ذلك من أعمال الباطل.