والتناهي، ويسمون ذلك «المفاعلة» مثلما نقول: «شارك زيد عمرا» ، ولا يشارك الإنسان نفسه إنما يشارك غيره، ومعنى هذا أن هناك شخصا قد كان فاعلا مرة، ومرة أخرى يكون مفعولاً، وكيف تكون صيغة التفاعل هذه؟ . إنها مثل «تشارك» و «تضارب» أي أن يأتي الفعل من اثنين. ومن السهل إذن أن ينهي إنسان صديقاً له أو ينهاه صديق له. وقد نفسرها على أن الجميع ينهى نفسه بفعل القوة الخفية الفطرية التي توجد في كل نفس، أي أن كل نفس تنهى نفسها. إذن فالتفاعل إما أن يكون في النفس وإما أن يكون في المجتمع.
{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} ولننتبه هنا إلى أنهم قد فعلوا المنكر بالفعل، فكيف يكون التناهي عن المنكر؟ . يمكن أن نفهم العبارة على أساس أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر أرادوا فعله، أي أن الإنسان منهم كان يرى زميلاً له يتهيأ لارتكاب منكر فلا ينهاه. ومثلها في ذلك قوله الحق:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}[المائدة: ٦] .
وهذا القول لا يعني أبداً أن يتوضأ الإنسان بعد أن يدخل في الصلاة. إنما يعني أن نبدأ الوضوء لحظة الاستعداد للصلاة، يعني إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأداءها.
وقوله الحق:{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} يجعلنا في حالة انتباه وفراسة إيمانية ويقظة.
ويلتفت كل منا إلى نفسه ويرقبها ويراقبها، وإلى أي اتجاه تسير، فلا يترك الإنسان نفسه تتجه إلى أي مكان موبوء أو فعل غير مستقيم. وكذلك ينتبه الإنسان إلى أصدقائه وأخلائه حتى نتناهى عن أي منكر فلا نقع أبداً في دائرة هذا الحكم {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} وساعة نسمع «لبئس» فلنعرف أن اللام إذا سبقت فهي للقسم، وحين يقسم الله فهذا تأكيد