{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً}
[الفتح: ٢٩] .
إن الحق يحدثنا عن خلق المؤمنين. إنه سبحانه لم يطبعهم على الشدة؛ لأن المواقف قد تتطلب رحمة، ولكن الشدة مطلوبة لمواجهة أهل الباطل. ولم يطبعهم الحق على اللين، لكن اللين مطلوب فيما بينهم؛ لأن كلاً منهم يرجو رحمة الله وفضله؛ ففي الموقف الذي يتطلب رحمة؛ هم رحماء. وفي المواقف الذي يتطلب شدة هم أشداء، ولذلك يقول الحق سبحانه أيضاً عن المؤمنين:{أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين}[المائدة: ٥٤] .
ولم يجعل الحق المؤمن ذليلاً على إطلاقه، ولا عزيزاً على إطلاقه، ولكنه جعله ذليلاً على أخيه المؤمن، لين الجانب رحب الأخلاق. وجعله عزيزاً على الكافرين المتأبين على الله.
إذن، فسبحانه يريد من خَلْقه أن يكونوا على خُلُقِ الحق سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما رواه عمار بن ياسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:«حُسْن الخلق خُلُق الله الأعظم» ورُوِي: «تخلقوا بأخلاق الله»
إن لله سبحانه وتعالى قدرة حكيمة، فخذوا أيها المؤمنون قدرته واستعملوها بحكمة، ولله علم فحاولوا أن تكونوا عالمين، ولله رحمة فحاولوا أن تكونوا رحماء، والله جبار فإذا تطلب الموقف منكم أن تكونوا جبارين فافعلوا، لأن سياسة الأرض وسياسة المجتمع قد لا تصلح إلا بهذا.
وما دام الحق قد أراد من الخلق أن يعمروا هذا الكون فلا بد أن يضمن لهم منهجاً سليماً يرتكز على «افعل» ولا «تفعل» ، فإن نحن أخذنا منهج الله فنحن نأخذ ما يمكن أن نسميه بالعرف الحاضر:«قانون الصيانة» فلنفعل ما قال الله افعلوا،