ولنترك ما قال الله في شأنه لا تفعلوا حتى تؤدي الآلة الإنسانية مهمتها كما يريد الله لها أن تكون.
إن الفساد إنما ينشأ من أنك أيها الإنسان تنقل الأعمال من نطاق «افعل» إلى نطاق «لا تفعل» ، والأعمال التي يجعلها الله في نطاق «لا تفعل» تجعلها أنت في نطاق «افعل» . فإن طلب الله أن نقيم الصلاة ب «افعل» فكيف نجعلها في نطاق «لا تفعل» بعدم الصلاة؟ ، وإن طلب الله منا ألا نشرب الخمر فكيف نشربها إذن؟ .
إن الخلل الإيماني الذي يحدث في الكون إنما ينشأ من نقل متعلقات «افعل» إلى «لا تفعل» ، ومن نقل متعلقات «لا تفعل» إلى «فعل» ، أما ما لم يَرِد فيه «افعل» و «لا تفعل» فقد ترك الله لاختيارك إباحة أن تفعله أو لا تفعله، لأن الكون لا يفسد بشيء منها.
وإذا نظرت إلى منهج الله في «افعل» و «لا تفعل» فأنت تجد أن الحق سبحانه لم يقض على حريتك ولم يقض على اختيارك، وإنما ضبطك ضبطاً محكماً فيما ينشأ فيه فساد الكون، أما الذي لا ينشأ منه فساد فإن شئت فافعله وإن شئت فاتركه.
وزود الحق كل البشر بهذا المنهج من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة. وأخذ سبحانه على نفسه الوعد بعدم تعذيب أمة لم يبعث لها رسولاً، ولذلك توالى الموكب الرسالي. لماذا؟ لأن الغفلة تتمكن من الإنسان؛ فقد يتناسى الإنسان مرة الشيء الذي يحد حركته ويتكرر التناسي إلى أن يصير نسياناً، فيشاء الحق أن يرسل رسولاً لكل فترة لينبه إلى قانون صيانة الإنسان، إلى أن جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأمن الله أمةَ محمد أن تكون هي المبلغة بمنهج الله إلى أن تقوم الساعة. ولذلك أخذ سبحانه من النبيين ميثاقاً للبلاغ عن رسالة النبي الخاتم:{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين}[آل عمران: ٨١] .