لكن الحق سبحانه وتعالى لا يريد خضوع أعناق، وإنما يريد خضوع قلوب. إنه - سبحانه - يريد أن يأتي الناس طواعية واختياراً ليثبتوا الحب للخالق؛ لذلك يقول الحق لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ} وساعة نسمع: «قد» فلنعرف أن ما يأتي بعدها هو أمر محقق، ويأتي ذلك إذا دخلت على الفعل الماضي فهي في هذه الحالة تأتي لتسبق أمراً تحقق، ومرة تأتي للتقليل أو للتكثير إذا دخلت على الفعل المضارع الذي يدل على الحال أو الاستقبال، فإذا كان العامل والمعمول بينهما ارتباط سبب. . فهذا للتكثير، وإذا كان ظاهر الأمر غير مرتبط ارتباطاً واضحاً. . فهذا للتقليل. والمثال على الارتباط الذي يدل على التكثير هو قول القائل: قد ينجح المُجدّ؛ لأن المجِدَّ والنجاح مرتبطان ارتباط سببية، ولكن قد يكون هناك حادث مفاجئ لأحد المجدين فلا يستطيع النجاح، كأن يمرض يوم الامتحان، ولكن احتمال الصحة أكثر من احتمال المرض فكانت للتكثير.
والمثال على مجيء «قد» للتقليل هو قول القائل: قد ينجح الكسول، أي أن الكسول قد ينجح بالمصادفة وبدون أسباب منطقية، كأن يقرأ عدداً من الدروس ليلة الامتحان فيأتي فيها الامتحان فينجح، إذن ق «قد» إذا دخلت على الماضي تكون للتحقيق، وإن دخلت على المضارع فهي للتكثير إن كانت منطقية الأسباب، وهي للتقليل إن كانت غير منطقية الأسباب. ولكن كلنا يعلم أن علم الله هو علم أزلي، ولا قوة ولا أمر يخرجان عن معلوم الله. إذن ف «قد» هنا للتحقيق وهي داخلة على الفعل المضارع، فالحق أراد أن يبلغنا أنه علم أزلاً بما حدث وجاء ب «قد» لنستحضر صورة الفعل: