والسوء هو الأمر المنهي عنه من الله. هل هناك من يعمل السوء بجهالة؟ . بعضنا يفهم الجهالة فهماً سطحياً على أساس أنها «عدم العلم» ؛ لا. إنَّ الذي لا يعلم هو الأمي الخالي الذهن، والجهالة غير الجهل، فالجهل هو أن يعلم الإنسان حكماً ضد الواقع، كأن يكون مؤمناً بعقيدة تخالف الواقع. ومعالجة الجهل تقتضي أن ننزع منه هذه العقيدة التي هي ضد الواقع ثم نقنعه بالعقيدة المطابقة للواقع.
والذي يسبب المتاعب للناس هم الجهلة؛ لأن الجاهل يعتقد في قضية ويؤمن بها وهي تخالف الواقع. وعندما جاء العلماء عند هذا القول الحكيم:{مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ} . قالوا: إن الجهالة هي السفه والطيش، والطيش يكون بعدم تدبر نتائج الفعل. والسفه ألا يقدِّر الإنسان قيمة ما يفوته من ثواب وما يلحقه من عقاب. وقد يكون الإنسان مؤمناً، لكنه يرتكب السوء لأنه لم يستحضر الثواب والعقاب ويرتكب من السوء ما يحقق له شهوة عاجلة دون التمعن في نتائج ذلك مستقبلاً، ولو استحضر الثواب والعقاب لما فعل ذلك السوء.
ويمكن أن نفهم أيضاً الجهالة على أنها ارتكاب الأمر السيئ دون أن يبيت له الإنسان أو يخطط، وذلك كأن يخطط إنسان السفر إلى باريس لطلب العلم، وعندما وصل إلى هناك جاءت له امرأة في غرفته في الفندق وهي في كامل فتنتها وزينتها، وألحت عليه لارتكاب الفحشاء، فلم يقدر على نفسه.
هذا فعل للسوء بجهالة؛ لأنه لم يخطط لذلك السوء، وهو يندم من بعد ذلك، ولا يحكي عن ذلك الفعل بفخر أبداً.
هناك فارق - إذن - بين هذا الإنسان وإنسان آخر بحث في عناوين بيوت اللذة في باريس قبل أن يسافر إليها، إنه بذلك يخطط لفعل المنكر وارتكاب الفحشاء. ويصر على السوء، ويتفاخر به ولا يندم على فعل؛ هذا الصنف من البشر لا يغفر له الله إن استمر على هذا الحال حتى شارف الموت أو أدركه الموت، ولذلك يقول الحق:{إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فأولئك يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً}[النساء: ١٧] .