{إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
ألم يكن من الأجدر بهم أن يُعملوا العقل بالتدبر ويقولوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه.
ونجد أيضاً أنهم لم يردوا على رسول الله فلم يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عند محمد بل قالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} . إنهم يردُّون أمر الله ويطلبون العذاب، وتلك قمة المكابرة، والتمادي في الكفر وذلك بطلبهم تعجيل العذاب، ولذلك يقول لهم رسول الله:{وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} .
والاستعجال هو طلب الإسراع في الأمر، وهو مأخوذ من «العجلة» وهي السرعة إلى الغاية، أي طلب الحدث قبل زمنه. وما داموا قد استعجلوا العذاب فلا بد أن يأتيهم هذا العذاب، ولكن في الميعاد الذي يقرره الحق؛ لأن لكل حدث من أحداث الكون ميلادا حدده الحق سبحانه:{مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين}[الأنعام: ٥٧]
إن الحكم لله وحده، فإن شاء أن ينزل عذابا ويعجل به في الدنيا كما أنزل على بعض الأقوام من قبل فلا راد له، وإن شاء أن يؤخر العذاب إلى أجل أو إلى الآخرة فلا معقب عليه.
ومن حكمة الحق أن يظل بقاء المخالفين للمنهج الإيماني تأييدا للمنهج الإيماني. ويجب أن نفهم أن الشر الذي يحدث في الكون لا يقع بعيدا عن إرادة الله أو على الرغم من إرادة الله، فقد خلق الحق الإنسان وأعطاه الاختيار، وهو سبحانه الذي سمح للإنسان أن يصدر منه ما يختاره سواءً أكان خيراً أم شراً. إذن فلا شيء يحدث في الكون قهراً عنه؛ لأنه سبحانه الذي أوجد الاختيار. ولو أراد الحق ألا يَقْدِر أحد على شر لما فعل أحد شراً. ولكنك أيها المؤمن إن نظرت إلى حقيقة اليقين في فلسفته لوجدت أن بقاء الشر وبقاء الكفر من أسباب تأييد اليقين الإيماني.