للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في قلبه ذرة من نفاق؛ لأن الحق يقول: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} .

والتضرع خفية يكون بالقلب أيضاً. وليس في ذلك رياء؛ لأن القلب لا اطلاع لأحد عليه إلاّ الخالق البارئ، والمثال على ذلك ما فعلته امرأة أوربية قرأت تاريخ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ووصلت في قراءتها إلى أسباب نزول قوله الحق: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: ٦٧] .

ووجدت أن هذا القول الكريم قد نزل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكان نائماً بعد ليلة من السهر، فقالت له عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: ألا من رجل صالح يحرسنا الليلة؟ وبينما هي تقول ذلك حتى سمعت صوت السلاح، وكان ذلك إعلانا عن مقدم سعد وحذيفة وقالا:

جئنا نحرسك يا رسول الله. ونام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى سمعت سيدتنا عائشة غطيطه، ثم نزل عليه الوحي بهذا القرآن الكريم: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: ٦٧] .

فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من النوم وقال: «انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله» .

وعندما قرأت المرأة الأوربية هذه الحكاية في تاريخ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأحسنت الفهم لها أعلنت إسلامها على الفور قائلة: لو كان محمد يخدع الناس جميعاً ما خدع نفسه في حياته. لقد أدركت هذه المرأة بالفطنة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يكن ليصرف عنه الحرس لو لم يثق تمام الثقة في أن الله يحميه، وأنه سبحانه قادر على أن يحفظه. والإنسان لحظة الخطر إنما يدعو الله تضرعاً وخفية. والدعاء - كما علمنا - يحتاج إلى قول وفعل ووجدان. وهذه الأركان الثلاثة تتوافر في قوله الحق: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} [الأنعام: ٦٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>