إذن الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نتصل بمنهجه اتصالاً وثيقا؛ ليعطينا، لا ليأخذ منا؛ لأن الفرق بين عبودية البشر للبشر والعبودية الخالصة لله أن البشر يأخذ خير عبده، ولكن عبوديتنا لله تعطينا خيره من خزائن لا تنفد، نأخذ منه كلما ازددنا له عبودية، إذن الحق دائماً يريد أن يصلنا به.
{أولئك لَهُمُ الأمن} الأمن في الدنيا؛ والأمن بمجموع ما كان في الدنيا مع الأمن في الآخرة.
ولقائل أن يقول: هناك اناس لا يسمون باسم الله، ولا يخطر الله على بالهم، ويتحركون في طاقات الأرض ومادتها، وينعمون بها ويسعدون، وقد يسعدون بابتكارات سواهم.
ونقول: نعم هذا صحيح؛ لأن فيه فرقاً بين عطاء الفعل، والبركة في عطاء الفعل. إذا زرع الكافر فالأرض تعطى له، وإذا قام بأي عمل يأخذ نتيجته، لكن لا يأخذ البركة في العطاء.
وما هي البركة في العطاء؟ البركة في العطاء أن يكون ما أخذته من هذا العطاء لا يعينك على معصية، بل دائماً يعينك على طاعة. ونحن نرى كثيراً من الناس يصدق عليهم قوله سبحانه:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا} فإياك أن تغالط وتقول: إنهم لا يقولون: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} ومع ذلك فهم قد أخذوا طيبات الحياة الدنيا، إنك حين تنظر إليهم تجد كل مرتقيات حضارتهم، وطموحات بحوثهم واكتشافاتهم تتجه دائماً إلى الشر، لم يأت لهم ابتكار إلا استعملوه في الشر إلى أن يأذن الله فيشغلهم عن أشيائهم بما يصب عليهم من العذاب والنكبات ولهم في الآخرة العقاب على شركهم وكفرهم.
إذن {أولئك لَهُمُ الأمن} أي إنّ هؤلاء الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك لهم الأمن في جزيئات أعمالهم والأمن المتجمع من جزيئات أعمالهم يعطي لهم الأمن في الجنة. {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} والهداية هي الطريق الذي يوصل إلى الغاية. ولا يقال إنك موفق في الحركة إلا إذا أدت بك هذه الحركة إلى غاية مرسومة في ذهنك من نجاح بعد المذاكرة والاجتهاد. ولا مخلوق ولا مصنوع يحدد غايته، فاترك لله تحديد