للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحين نرى من يمسح الحذاء، ونجد صاحب الحذاء وهو يمد وهو يمد رجله والاخر يمسح الحذاء تقول لنفسك: لماذا كل هذا الزهو لصاحب الحذاء، ولماذا هذا الانكسار لماسح الأحذية؟ . وأقول: أنت رأيت صاحب الحذاء وقت راحته، ورأيت ماسح الأحذية وهو في وقت عمله. ولو عرفت كيف جاء صاحب الحذاء بالنقود التي سيدفعها لماسح الأحذية لعلمت أنه كان مسخراً له ساعة كان يعمل ليحصل على النقود ليعطي مها ماسح الأحذية، ولذلك قال الحق: {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف: ٣٢]

والناس لا تنظر في التسخير إلا للغني والفقير، ونقول: خذوا التسخير على أن كل واحد في الكون مُسخّر في الموهبة التي عنده، ومُسخّر له في المواهب التي ليست عنده. وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يربط الناس بهذا ربطاً قسرياً وليس تفضّلياً؛ لأن من عنده أولاد يريدون أن يأكلوا وامرأة تحتاج إلى أن تَطْعَم ولا يملك نقوداً، وليس أمامه من عمل سوى نزح المجاري، فيأتي بأدوات نزح المجاري، ويؤدي العمل ليعول من يعولهم، ولولا ارتباطه بضرورة الحياة له ولمن يعول لما عمل في مثل هذا العمل، إذن فهو مربوط ربطاً ضرورياً ليؤدي خدمة في الكون. ولو كان كل البشر يعيشون في رغد العيش أكان هناك من يتطوع لينزح المجاري؟ لا يحدث ذلك أبداً، لأنه عمل لا يأتي بالتفضل بل بالاحتياج.

وهكذا نرى أن الخلافة في الأرض تقتضي استطراقاً، وهذا الاستطراق لا يدوم كثيراً؛ فمرة تكون القوة لإنسان ثم تذهب منه، ومرة يكون الثراء لإنسان ثم ينحسر عنه هذا الغِنى، ولذلك أخبرنا الحق أنه جعل الأيام دُوَلاً بين الناس ليستقيم العالم بارتباط الضرورة في بعض الأعمال، وإن بدا لنا أن هناك مواهب تميز بين الناس في شكلهم، وفي هندامهم، وفي مطيتهم، تجد الطبيب يعمل في أكثر من مكان، وإن سار على رجليه لتعب، لذلك يشتري سيارة، ويظن من يراها أن السيارة امتياز لا مثيل له، متناسياً أن هذه السيارة تقضي مصالح الرجل ليخدم الآخرين.

مثال آخر: أنت إن نظرت إلى كوب الشاي الذي تشربه بمزاج وليس لضرورة

<<  <  ج: ص:  >  >>