حيوية، وإن جاءك من يقدم لك الشاي ليقول: إن الشاي قد نفد من المقهى، فتعطيه جنيهاً وتقول: هات كيساً من الشاي من عند البقال، ويذهب الغلام ليحضر علبة الشاي فيجد البقال وكأنه قد جهزها له، وأنت لا تعرف أن علبة الشاي هذه قد أخذت وقتا وعملا من اثنين أو ثلاثة لتصل إليك؛ لأن الحق قد كلف أناساً ليزرعوا الشاي في بعض البلاد، وأناساً آخرين يستوردونه، ثم تأتيك علبة الشاي لتصنع منها كوباً لتشربه.
إذن فمسألة كلها تسخيرات؛ لذلك توجد الفوارق الاجتماعية التي تقتضيها أعمالنا، ويذيب الحق هذه الفوارق بأن جعل في الصلاة استطراقاً للجميع، وتلتفت ساعة يقول المؤذن:(الله أكبر) أن الكل قد جاء، الغني قبل الفقير، والخفير مع الأمير، ويخلع الجميع أقدارهم خارج المسجد مع نعالهم ليتساوَوْا في الصلاة، ومن له رئيس يتكبر عليه يراه وهو ساجد مثله لله، فتريحه لحظة استطراق العبودية.
ولنفرض أن كلاً منا سيصلي بمفرده في الصلاة اليومية، لكن عندما يؤذن المؤذن لصلاة الجمعة، يأمرنا الحق أن نَذَر ونترك كل شيء لنؤدي صلاة الجمعة معاً. ويرى الضعيف عظيماً يتضرع مثله إلى الله، ويرى القوي نفسه بجانب الضعيف، وحين يعود كل منا إلى عمله تسقط أقنعة القوة والزهو؛ لأننا جميعاً نقف أمام خالق واحد وكلنا سواء.
إن هذا هو الاستطراق الاجتماعي؛ لأننا حين نرقب بعضنا في أثناء الصلاة نجد أنفسنا في حضرة الرَّب الذي أعد لنا الكون، وسخّره لنا، وأعطانا الطاقات، وأعطانا المواهب، وإذا تأملنا واحداً له وظيفة كبيرة جداً، فأنت حين ترغب في لقائه تكتب التماساً، ويُنْظَر في الالتماس، فإمّا أن يوافقوا وإمّا لا يوافقوا على لقائك به. وإن وافقوا يسألوك: في أي أمر ستتكلم؟ وسيُحدد لك الوقت الذي ستجلس فيه معه وليكن ثلاث دقائق مثلا، وحين تجلس إليه وتنسى نفسك يقوم هو ليدلك على أن المقابلة انتهت، لكن ربنا يقول لنا: تعالوْا لي في أي وقت، وكلموني في أي شيء، وأنا لا أملّ حتى تملُّوا، وأنتم يا عبيدي مَنْ تنهون المقابلة، وهذا عطاء كثير جداً. يغدقه المولى عزوجل على عباده.