للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضربها الله على رأسها فأمات أصل إدارة الحياة وهو المخ؟ هل صوّب شيئاً إلى قلبها؟ سبحانه جل وعلا منزه عن مثل هذه الأفعال البشرية، فكيف يسمون الموت قتلاً؟ إن تسمية الموت قتلاَ هو الخطأ، فقولهم: كيف تبيحون لأنفسكم ما قتلتموه أي بالذبح. ولا تبيحون ما قتله الله أي أماته، فيه مغالطة في عرض القضية، ويريد الله سبحانه وتعالى أن يضع عند المؤمنين مناعة من هذه الهواجس التي يثيرونها؛ فقال: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام ١١٨]

وما معنى الذكر؟ إنّ عدم تحديد العلماء المعنى المقصود بالذكر، هو الذي أوجد بينهم خلافاً كبيراً. فسيدنا الإمام مالك يرى أنك إذا ذبحت ولم تذكر اسم الله سواء أكنت ناسياً أم عامداً فلا يصح لك ان تأكل من الذبيحة. ويرى الإمام أبو حنيفة: إذا كنت لم تسم ناسياً فكل مما ذبحت، لكن إن كنت عامداً فلا تأكل، والإمام الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - يرى: ما دمت مؤمناً ومقبلاً على الذبح وأنت مؤمن فَكُلْ مما لم تذكر اسم الله ناسياً أو عامداً لأن إيمانك ذكر لله.

ونقول: ما هو الذكر؟ هل الذكر أن تقول باللسان؟ أو الذكر أن يمر الشيء بالخاطر؟ إن كنتم تقولون إنّ الذكر باللسان فلنبحث في الحديث القدسي الذي قاله الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم.»

إذن فقد سمّي ربنا الخاطر في النفس ذكراً وبذلك يصبح من حق الإمام الشافعي أن يقول ما قال.

لذلك أقول: يجب أن نحدد معنى الذكر أولاً حتى ننهي الخلاف حول هذه المسألة، فليس من المقبول أن نقيم معركة حول معنى «الذكر» ؛ لأن الذكر وهو خطور الأمر على البال قد يصحبه أن يخطر الأمر على اللسان مع الخطور على البال، وقد يظل خطوراً على البال فقط، بدليل ما جاء في الحديث السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>